ملخص الأنظمة الدستورية الكبرى: مبادئ، أنواع، وتطبيقات:
تهدف هذه الدراسة إلى تقديم تحليل موجز لأبرز الأنظمة الدستورية المعمول بها في الدول الديمقراطية الحديثة، والتي تقوم على ثلاث طرق رئيسية لضبط العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. هذه الطرق هي: نظام حكومة الجمعية (الذي يدمج السلطتين في البرلمان)، النظام الرئاسي (الذي يفصل بينهما)، والنظام البرلماني (الذي يوازن بينهما). ينطلق هذا التصنيف من مبدأ جوهري في الديمقراطية الحديثة وهو مبدأ الفصل بين السلطات.
المحور الأول: مبدأ الفصل بين السلطات:
يُعد مبدأ الفصل بين السلطات حجر الزاوية في الأنظمة الديمقراطية الغربية الحديثة، ويحظى بأهمية توازي أهمية مبدأ سيادة الشعب. يعود الفضل في صياغة هذا المبدأ إلى المفكر الفرنسي الشهير مونتسكيو في كتابه "روح القوانين" (1748)، حيث قسم السلطات إلى ثلاث: التشريعية، التنفيذية، والقضائية. وقد تأثر مونتسكيو بأفكار جون لوك الذي كان أول من نادى بفكرة الفصل في القرن السابع عشر، خاصة في كتابه "محاولة في الحكم المدني"، مؤكداً على ضرورة تحقيق التوازن بين سلطات الدولة وحقوق المواطنين.
لقد جاء هذا المبدأ في القرن الثامن عشر كرد فعل على الأنظمة الملكية المطلقة السائدة آنذاك في أوروبا، حيث كانت السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، والقضائية) متركزة في يد شخص واحد هو الملك، مما أدى إلى انتشار الاستبداد وغياب دولة الحق والقانون.
الفقرة الأولى: مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات:
يعني مبدأ الفصل بين السلطات تقسيم الدولة إلى سلطات مستقلة، كل منها تتولى صلاحيات ومسؤوليات محددة:
السلطة التشريعية:
يمثلها البرلمان، وهي مسؤولة عن سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة.
السلطة التنفيذية:
تمثلها الحكومة، وهي مكلفة بتنفيذ القوانين التي يشرعها البرلمان وإدارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية.
السلطة القضائية:
تختص بالقضاء وفصل النزاعات بين الأفراد والمؤسسات.
يرى لوك أن أهم سلطتين هما التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الحكومة التي تشمل الإدارة والعدل). وقد طوّر مونتسكيو هذه النظرية بهدف الحد من السلطة المطلقة للملك البريطاني، عبر توزيع الحكم على هيئات مستقلة. فبينما يملك الملك الجهاز التنفيذي، يظل حق الاعتراض مكفولاً للمجلس التشريعي الذي يمثل الأمة، فيما تعمل السلطة القضائية كحكم يراقب السلطتين لمنع أي تجاوز يضر بمصالح المواطنين.
لقد حرصت الثورة الفرنسية على ترسيخ هذا المبدأ في مواثيقها ودساتيرها المتعاقبة، مؤكدة على أنه لا يعمل إلا في ظل حكومة نيابية ونظام نيابي، حيث الأمة هي مصدر السلطات، وليس الحكم الفردي المطلق. يرى مونتسكيو أن اجتماع السلطة التنفيذية والتشريعية في يد واحدة (سواء كان شخصاً أو هيئة) يؤدي إلى فساد الحكم وضياع حقوق المواطنين.
الفقرة الثانية: محتوى مبدأ الفصل بين السلطات:
إن الفصل بين السلطات لا يعني فصلاً تاماً أو مطلقاً، بل هو نوع من المرونة والتفاهم والتعاون لضمان عدم طغيان سلطة على أخرى.
يؤكد مونتسكيو أن "بالرغم من الفصل بين السلط إلا أن هذه السلط تجد نفسها بالضرورة مجبرة على التضامن والتعاون فيما بينها والسير سوياً، أما الفصل المطلق فهو مستحيل عملياً وواقعياً".
في ظل هذه الأفكار الليبرالية، يمكن التمييز بين فرضيتين:
الفصل المطلق:
حيث يكون هناك جهازان منفصلان تماماً دون تدخل أحدهما في الآخر. هذا هو أساس النظام الرئاسي كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث الرئيس هو صاحب السلطة التنفيذية وغير مسؤول أمام الكونغرس، والكونغرس لا يمكن حله من طرف الرئيس. يُعد هذا النظام التعبير الأسمى عن مبدأ فصل السلطات بصورته المطلقة.
الفصل النسبي (التعاون):
حيث يعمل الجهازان وفق مبدأ التعاون دون أن ينصهر أحدهما في الآخر، مع احتفاظ كل منهما باختصاصاته. هذا هو جوهر النظام البرلماني، ومثاله بريطانيا، حيث يحق لرئيس الحكومة حل البرلمان، وللجهاز التشريعي سحب الثقة من الحكومة، مما يؤدي إلى فصل نسبي للسلطات بعيداً عن التركيز.
الخلاصة:
مبدأ الفصل بين السلطات يعني التساوي في السلطة، الاستقلال في ممارسة الوظائف، ووجود نوع من الرقابة المتبادلة لضمان التزام كل سلطة بحدودها وصيانة الحريات العامة.
يُعد هذا المبدأ حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي، وتجاهله يؤدي إلى الاستبداد، وقد ترتبت عليه أشكال متعددة من الأنظمة النيابية.
الفقرة الثالثة: فصل السلطات في الدستور المغربي:
ينص الفصل الأول من الدستور المغربي لسنة 2011 على أن:
-"نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية.
ويقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.....".
يُظهر هذا الفصل المكانة المتميزة للمؤسسة الملكية في الدستور والنظام السياسي المغربي. فجلالة الملك هو:
-أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين.
-الضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية.
-رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة.
-ضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم الأسمى بين مؤسساتها.
-الساهر على احترام الدستور وتطبيقه وحسن سير المؤسسات الدستورية.
-المسؤول عن صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والجماعات، واحترام التعهدات الدولية للمملكة.
من صلاحيات الملك أيضاً:
-تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات، وتعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها.
-يمكنه إعفاء عضو أو أكثر من الحكومة بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة.
-يرأس المجلس الوزاري (الذي يضم رئيس الحكومة والوزراء).
-له حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما.
-هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ويعين في الوظائف العسكرية.
-يصدر الأمر بتنفيذ القوانين ويطلب إعادة قراءة أي مشروع قانون.
-يوقع ويصادق على المعاهدات (باستثناء بعض المعاهدات التي تتطلب إجراءات خاصة).
-يرأس مجموعة من المجالس العليا (كالأمن والسلطة القضائية والعلمي).
-يمارس حق العفو، وتصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك.
-يعين ستة أعضاء (نصف) المحكمة الدستورية ورئيسها.
-يمكنه إعلان حالة الاستثناء في حالات تهديد التراب الوطني أو عرقلة سير المؤسسات.
في المقابل، يمارس البرلمان المغربي السلطة التشريعية ويصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية. بينما تمارس الحكومة السلطة التنفيذية تحت سلطة رئيسها، وتعمل على تنفيذ البرنامج الحكومي وضمان تنفيذ القوانين، وتوضع الإدارة تحت تصرفها، وتمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية.
المحور الثاني: النظام المجلسي أو نظام الجمعية:
النظام المجلسي، أو نظام الجمعية، هو نظام يقوم على خضوع السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية (البرلمان).
وتُعد سويسرا نموذجاً بارزاً لهذا النظام. فبالإضافة إلى مهمته الأساسية في التشريع، يُعهد للبرلمان فيه بإدارة شؤون الحكم والإدارة، فهو من يعلن الحرب ويبرم المعاهدات ويعين أعضاء المحكمة الفدرالية. في هذا النظام، يمارس المجلس الفدرالي (الحكومة) اختصاصاته تحت مراقبة الجمعية الفدرالية (السلطة التشريعية) وإشرافها، مما يجعله نظام جمعية بامتياز.
يُعتبر النظام المجلسي أحد النظم التمثيلية الفريدة التي اتضحت معالمها وخصائصها عبر التجربة السويسرية، التي تميزت بالخصوصية واستطاعت الحفاظ على استقرارها وثباتها في ظل اضطرابات دولية.
الفقرة الأولى: تعريف النظام المجلسي:
النظام المجلسي هو صورة من صور النظام النيابي، ويعني في مفهومه الواسع النظام الذي يقوم على دمج السلطات بيد هيئة واحدة.
ومع التطور التطبيقي، أصبحت سلطة البرلمان تعلو السلطة التنفيذية أما في مفهومه الضيق، فهو النظام الذي يدمج السلطتين التشريعية والتنفيذية في يد هيئة واحدة منتخبة (البرلمان) تملك سلطة إدارة شؤون الدولة، وذلك من منطلق أنها ممثل الشعب والمعبر عن إرادته والراعي للمصلحة العامة، وأن سيادة الشعب واحدة وغير قابلة للتجزئة.
يقوم نظام الجمعية، الذي يتجلى نموذجه في النظام السياسي السويسري، على مقومين أساسيين:
-البرلمان هو مصدر جميع السلطات.
-جماعية السلطة التنفيذية.
يُطلق على البرلمان السويسري اسم الجمعية الفيدرالية، وهو يتكون من مجلسين:
المجلس الوطني (يمثل الشعب، بحد أقصى 200 عضو لمدة أربع سنوات) ومجلس المقاطعات (يضم ممثلي المقاطعات، حوالي 44 عضواً).
وعلى خلاف العديد من الدول، يتمتع المجلسان بصلاحيات متساوية، وتُتخذ القرارات باتفاق المجلسين، إلا أن بعض القضايا تتطلب اجتماعهما المشترك (مثل انتخاب أعضاء المجلس الفدرالي، ورئيس الاتحاد، وأعضاء المحكمة الفدرالية، والقائد العام للجيش، وحق العفو).
تُشكل السلطة التنفيذية في سويسرا من "المجلس الفدرالي" الذي يتألف من سبعة أعضاء تختارهم الجمعية الفدرالية لمدة أربع سنوات. يُختار واحد منهم ليكون رئيساً للاتحاد لمدة سنة واحدة غير قابلة للتجديد، بالإضافة إلى نائب له.
ورغم أن رئيس الاتحاد يقوم بمهام رئيس الدولة نظرياً، إلا أن هذه الرئاسة صورية نظراً للطابع الجماعي لعمل السلطة التنفيذية، والذي يتجلى في:
-تساوي سلطات الأعضاء السبعة للمجلس الفدرالي.
-قصر مدة ولاية رئيس الاتحاد (سنة واحدة).
-اشتراط حضور أربعة أعضاء على الأقل لاجتماعات المجلس (الأغلبية المطلقة).
تتجلى تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان في أربعة مظاهر رئيسية:
-الحكومة (المجلس الفدرالي) مطالبة بتقديم تقرير سنوي عن أعمالها للجمعية الفدرالية، أو كلما طُلب منها ذلك.
-صلاحية مجلسي الجمعية الفدرالية في توجيه استجوابات واقتراحات للحكومة.
-لا يمكن للحكومة حل البرلمان أو طرح الثقة أو التهديد بالاستقالة.
-للجمعية الفدرالية صلاحية حجب الثقة عن الحكومة إثر استجواب، مما يستدعي توجيه الحكومة لسياستها وفق توجه الجمعية، دون أن يؤدي ذلك إلى إسقاط الحكومة.
الفقرة الثانية: نشأة النظام المجلسي:
تعود الجذور التاريخية للنظام المجلسي إلى أفكار روسو حول سيادة الشعب غير القابلة للتجزئة، وأن السلطة تكون بيد المواطن الذي يختار ممثليه في البرلمان، ليقوم هؤلاء بالتعبير عن سيادته.
ويرى روسو أنه يمكن للبرلمان أن يُعهد بالسلطة التنفيذية إلى هيئة يكون أعضاؤها خاضعين له ومسؤولين أمامه، دون أن يحق للجهاز التنفيذي مساءلة أعضاء البرلمان.
لم يتم الأخذ بالنظام المجلسي على نطاق واسع في العصر الحديث إلا في ظروف استثنائية.
فقد ظهرت بوادره لأول مرة في بريطانيا (نتيجة الخلاف بين البرلمان والملك شارل الأول)، وطُبق أيضاً في فرنسا على فترات متقطعة (من 1792-1795، ثم بعد ثورة 1848، وفي الجمهورية الفرنسية الثالثة بعد هزيمة نابليون 1871). ويُعتبر دستور الجمهورية الرابعة (1946) تجسيداً لنظام مجلسي فعلياً من الناحية التطبيقية.
إلا أن التجربة السويسرية في عام 1874 هي التي أقرت صراحة سمو السلطة التشريعية في الاتحاد، وأصبحت النموذج الأبرز والأكثر نجاحاً لهذا النظام، على عكس التجارب الفرنسية والبريطانية التي لم تعمر طويلاً وكانت مرتبطة بظروف استثنائية.
الفقرة الثالثة: خصائص النظام المجلسي:
يتسم النظام المجلسي بعدة خصائص رئيسية:
-تركيز السلطة بيد البرلمان: حيث تجتمع السلطتان التشريعية والتنفيذية بيد البرلمان، مما يبرز مبدأ عدم قابلية السلطة للتجزئة.
-تشكيل الحكومة من طرف البرلمان: يتولى البرلمان اختيار أعضاء السلطة التنفيذية، الذين يكونون هيئة جماعية خاضعة للبرلمان وتنفذ ما يقرره، وهو من يحدد صلاحياتها.
-تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان: على خلاف النظام البرلماني القائم على التعاون، والرئاسي القائم على الفصل المطلق، يقوم نظام الجمعية على خضوع السلطة التنفيذية خضوعاً تاماً للسلطة التشريعية.
الفقرة الرابعة: نتائج انفراد الجهاز التشريعي بالسلطة:
ينتج عن انفراد الجهاز التشريعي بالسلطة والاختصاصات النتائج التالية:
-التزام أعضاء المجلس الفدرالي (الحكومة) بتقديم تقارير سنوية عن أعمالهم للجمعية الفدرالية.
-يحق للجمعية توجيه استفسارات واقتراحات لأعضاء الحكومة بهدف تغيير السياسة العامة أو دراسة قضايا محددة.
-لا يمكن للمجلس الفدرالي حل الجمعية، أو سحب الثقة، أو تقديم الاستقالة، أو حتى تحديد تاريخ الاجتماعات أو تأجيلها.
-في حالة الخلاف بين المجلسين، لا يمكن للمجلس الفدرالي الاستقالة، بل يمارس مهامه مع تغيير سياسته باتجاه تصور الجمعية.
رغم أن إحكام البرلمان لجميع السلط قد يولد استبداداً، إلا أن الواقع السويسري أثبت نجاح هذا النظام، وذلك بفضل الثقافة السياسية العالية للمواطنين السويسريين، على عكس المحاولات الفاشلة لتطبيقه في فرنسا وبريطانيا وبعض الدول اللاتينية.
الفقرة الخامسة: المؤسسات المركزية في النظام السويسري كنموذج للنظام المجلسي:
تتكون الدولة الاتحادية في سويسرا من المؤسسات المركزية التالية:
أولاً: الجمعية الفدرالية (السلطة التشريعية):
1-التكوين:
تُعد الجمعية الفدرالية أسمى سلطة في الاتحاد السويسري، وتتكون من مجلسين:
-المجلس الوطني:
يمثل الشعب، ويُنتخب بالاقتراع المباشر (نائب لكل 25 ألف مواطن)، ولا يزيد عدد أعضائه عن 200 نائب، لمدة أربع سنوات.
-مجلس المقاطعات:
يمثل المقاطعات، ويُنتخب أعضاؤه وفقاً للقوانين الخاصة بكل مقاطعة.
2-اختصاصات الجمعية الفدرالية:
-انتخاب أعضاء المجلس الفدرالي ونائبه ورئيسه.
-إبرام الاتفاقيات الدولية وإقرار المعاهدات بين المقاطعات.
-حفظ سيادة الدولة واستقلالها وحيادها.
-السهر على ضمان الأمن الداخلي وتطبيق دساتير المقاطعات.
-وضع الميزانية العامة وإقرارها.
-الإشراف على عمل الجهاز القضائي والإداري للدولة.
-انتخاب أعضاء المحكمة الاتحادية وتعيين قائد الجيش.
ثانياً: المجلس الفدرالي (السلطة التنفيذية):
1-التكوين:
يتشكل من سبعة أعضاء تنتخبهم الجمعية الفدرالية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.
رئيس المجلس (رئيس الاتحاد) يُنتخب لمدة سنة واحدة غير قابلة للتجديد إلا بعد مرور سنة كاملة على انتهاء ولايته.
يتولى المجلس الفدرالي المهام التنفيذية الموكلة إليه من الجمعية الفدرالية، ودور رئيس الاتحاد شرفي.
2-اختصاصات المجلس الفدرالي:
-تنفيذ القوانين والقرارات الصادرة عن الجمعية الاتحادية.
-السهر على تطبيق الدستور الاتحادي ودساتير المقاطعات.
-حفظ الأمن الداخلي للدولة الاتحادية.
نظراً لتطور وتعقد العلاقات بين المقاطعات، اتسعت صلاحيات المجلس الاتحادي، وأعطيت له سلطات إضافية في مجال القضاء والاقتصاد لضمان التنسيق بين المقاطعات والحفاظ على الاستقرار.
ثالثاً: المحكمة الفدرالية (السلطة القضائية):
1-التكوين:
تتكون من ستة وعشرين قاضياً وتسعة مساعدين يُنتخبون من طرف الجمعية الفدرالية لمدة ست سنوات قابلة للتجديد.
2-الإختصاص:
تختص المحكمة الفدرالية بممارسة الرقابة الدستورية على القوانين الصادرة من المقاطعات (وليس الاتحاد)، وتعتبر محكمة استئناف للأحكام الصادرة عن محاكم المقاطعات، وتتولى النظر في المنازعات بين المقاطعات.
الفقرة السادسة: العلاقة بين المؤسسات الرسمية في النظام المجلسي السويسري:
أولا: علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية:
المجلس الاتحادي تابع للبرلمان من الناحية العضوية، ووظيفياً لا يمكن اعتباره مجلساً للوزراء، إذ لا يملك برنامجاً سياسياً خاصاً، وينفذ فقط السياسة التي يصنعها البرلمانيون.
لا يملك حق حل الجمعية أو دعوتها للانعقاد أو فض اجتماعها أو حتى وضع جدول الأعمال الخاص بها، كما لا يمكنه أن يقدم الاستقالة. في المقابل، للبرلمان حق عزل أعضاء الهيئة التنفيذية ومساءلتهم.
على الرغم من التبعية الظاهرية، خفف الدستور السويسري من تبعية السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية وجعل العلاقة بينهما أقرب إلى التعاون منها إلى التبعية.
يُسمح لأعضاء السلطة التنفيذية بتقديم اقتراحات واستشارات، ويمكنهم دعوة البرلمان للانعقاد في دورة غير عادية، مما جعل النظام السياسي السويسري يوصف بأنه نظام خاص وفريد.
ثانيا: علاقة المقاطعات بالدولة الاتحادية:
يقوم الاتحاد السويسري على مبدأ "حصر اختصاصات الدولة الاتحادية"، مما يجعل الاختصاصات غير المذكورة في هذا الحصر من اختصاص المقاطعات. تتولى الدولة الاتحادية صلاحيات واسعة في المجال الدولي وتشترك مع المقاطعات في الصلاحيات الداخلية.
الفقرة السابعة: مزايا وعيوب النظام المجلسي:
أولاً: مزايا النظام المجلسي:
-الأكثر تجسيداً للديمقراطية: لأنه يركز السلطة في يد ممثلي الشعب المنتخبين.
-شرعية السياسات المتخذة: دمج السلطة التنفيذية وجعلها تابعة للتشريعية يمنح السياسات المتخذة شرعية أكبر.
-كفاءة وفعالية التنفيذ: طريقة تشكيل السلطة التنفيذية في هذا النظام تساهم في تنفيذ السياسات بكفاءة أكبر.
-تطبيق سليم للديمقراطية المثالية: دمج السلطات بيد البرلمان هو تطبيق لمبدأ أن الشعب مصدر كل سلطة.
ثانياً: عيوب النظام المجلسي:
-خطر الاستبداد والسيطرة المطلقة: دمج السلطات بيد البرلمان قد يجعله يستبد ويطغى في ممارسة السلطة تحت غطاء الشرعية، مما يخالف مبدأ الديمقراطية القائم على الفصل لضمان حسن التدبير.
الخلاصة:
النظام المجلسي يُعد النظام النيابي الأكثر تجسيداً للديمقراطية الفعلية إذا طُبق بشكل صحيح. لكن تطبيقه غير الصائب قد يؤدي إلى الاستبداد والتعسف في استخدام السلطة، مما يجعله يتحول تدريجياً إلى نظام شبه دكتاتوري. في سويسرا، تم تكييف هذا النظام مع البيئة الداخلية، فمثلاً، لا يمكن عزل أعضاء المجلس الفدرالي قبل انتهاء عهدتهم من طرف الجمعية الاتحادية. ورغم ذلك، يظل النظام السويسري نموذجاً ناجحاً ومستقراً لهذا النوع من الأنظمة الديمقراطية النيابية.
المحور الثالث: النظام الرئاسي:
يُعد النظام الرئاسي، الذي تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً له، نظاماً يسيطر فيه رئيس الجمهورية.
يعتمد هذا النظام على أساسين رئيسيين: الفصل المطلق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فالسلطة التشريعية تختص بالتشريع، والسلطة التنفيذية بأمور التنفيذ، مما يمنع قيام علاقة تعاون أو رقابة بينهما، ويحقق لكل سلطة كيانها الخاص. ولأن الرئيس لا يُسأل إلا أمام الأمة، فقد اصطلح على النظام الأمريكي بنظام "حكومة الرئيس".
يتميز هذا النظام بتركيز السلطة بيد رئيس الدولة، فهو صاحب السلطة ورئيس الحكومة ورئيس الجهاز التنفيذي. يختار مساعديه للعمل تحت إشرافه ووفق السياسات التي يراها، ويمكنه عزل أي وزير يخالف سياسته، مما يترتب عليه مسؤولية فردية لكل وزير (مع غياب مجلس للوزراء بالمعنى المتعارف عليه). وفي المقابل، لا يمكن للرئيس حل الكونغرس بمجلسيه (الشيوخ والنواب) أو دعوتهما للانعقاد أو رفض أعمال جلساتهما. كل جهاز مستقل بذاته استقلالاً عضوياً ووظيفياً، ولكل منهما سلطة التصرف والتقرير ضمن حدود اختصاصه المنصوص عليها في الدستور.
لتفادي التوترات السياسية بين الجهازين، تطورت آليات تهدف إلى خلق نوع من التعاون، فالكونغرس غالباً ما يتناسق مع توجيهات الرئيس، ونشأت أعراف برلمانية تسمح للوزراء بالتواصل مع ممثلي الكونغرس.
الفقرة الأولى: أسس النظام الرئاسي الأمريكي:
يقوم النظام الرئاسي الأمريكي على ركيزتين أساسيتين:
أولاً: أحادية السلطة التنفيذية:
يُنتخب رئيس الجمهورية من قبل الشعب بالاقتراع العام المباشر، ويجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، فهو ممثل الأمة في مباشرة كلتا الرئاستين.
يقوم الرئيس باختيار الوزراء (الذين يُطلق عليهم "السكرتير") الذين يعاونونه في تطبيق سياسته وممارسة مهامه، وله الحق في إعفائهم أو عزلهم. الوزراء يخضعون للرئيس خضوعاً تاماً وينفذون السياسة العامة التي يضعها، ولا يتمتعون بأي سلطة مستقلة.
ثانياً: الفصل المطلق بين السلطات:
على خلاف النظام البرلماني، يقوم النظام الرئاسي الأمريكي على الفصل المطلق والتام بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
فلا يملك رئيس الدولة (باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية) حق دعوة البرلمان للانعقاد العادي، أو فض دورته، أو حله. ويمارس البرلمان وظيفته التشريعية باستقلال تام، فلا تستطيع السلطة التنفيذية اقتراح القوانين أو التدخل في إعداد ميزانية الدولة. كما يستقل البرلمان من الناحية العضوية عن الحكومة، وليس للوزراء حضور جلسات البرلمان إلا بصفتهم مواطنين عاديين.
وتستقل السلطة التنفيذية في مباشرتها لوظيفتها، إذ يقوم الرئيس بتعيين الوزراء وإعفائهم دون تدخل من البرلمان، ولا يجوز للبرلمان توجيه الأسئلة للوزراء.
الفقرة الثانية: صلاحيات كل من السلطة التنفيذية والتشريعية:
الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة اتحادية تتكون من 50 ولاية، وهي أول دولة طبقت النظام الرئاسي. سنتناول هنا تكوين الهيئات الدستورية للولايات المتحدة وصلاحياتها.
أولاً: صلاحيات السلطة التنفيذية:
تخضع السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية، الذي يجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. يختار الرئيس معاونيه ومساعديه (الذين يُطلق عليهم "كتاب الدولة") وهم مسؤولون أمامه، مما يعني أن الحكومة مستقلة عن البرلمان.
1-كيفية انتخاب الرئيس الأمريكي:
يتم انتخاب الرئيس الأمريكي عبر اقتراع عام غير مباشر، وذلك وفق المراحل التالية:
مرحلة تعيين مرشحي الأحزاب:
يتم تعيين مندوبي الأحزاب على مستوى كل ولاية، ثم يجتمع المندوبون في مؤتمر لاختيار مرشح الحزب للرئاسيات.
مرحلة تعيين الناخبين الرئاسيين:
يُختار الناخبون لمدة أربع سنوات عن طريق الانتخاب بالأغلبية في كل ولاية، ويكون عددهم مساوياً لعدد أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب. لا يحق لهؤلاء الناخبين أن يكونوا أعضاء في أي من المجلسين.
مرحلة انتخاب الرئيس:
يُنتخب الرئيس بالأغلبية المطلقة لأصوات الناخبين وفي حالة عدم حصول هذه الأغلبية، يتم انتخاب الرئيس من طرف مجلس النواب.
أما نائب الرئيس، فيتم انتخابه عن طريق مجلس الشيوخ من بين المرشحين الثلاثة الذين حازوا على أكبر عدد من الأصوات ومدة ولاية الرئيس هي أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
2-اختصاصات الرئيس الأمريكي:
بعد أداء اليمين الدستورية، يباشر الفائز بالرئاسة مهامه كرئيس. على الرغم من مبدأ الفصل بين السلطات في النظام الرئاسي يجمع الرئيس الأمريكي بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة.
هذا يجعله ممثلاً للشعب، ويحقق له مركزاً معادلاً مع البرلمان الذي يستمد سلطته أيضاً من الشعب.
يرسم الرئيس الخطوط العريضة للسياسة العامة للحكومة، ويجمع في يديه كافة الوظائف التنفيذية، ويعاونه عدد من الأجهزة التي تكون تحت إشرافه، وهو من يعينهم أو يعزلهم دون أي تدخل من جانب مجلس الشيوخ.
تقتصر وظيفة "السكرتير" (الوزير) على تقديم المعلومات وإسداء النصح للرئيس، ويظل الرئيس الأمريكي هو صاحب الرأي الأول والأخير في إدارة دفة السياسة، ويخضع للمساءلة أمام الكونغرس (في حالات معينة).
صلاحيات الرئيس تشمل ما يلي:
الصلاحيات التنفيذية: يمارس الرئيس السلطة التنظيمية في شكل أوامر تنفيذية أو مقررات، ولا يمارس سلطة التشريع.
الصلاحيات الإدارية: يقوم بتنظيم ومراقبة أعمال الإدارات العامة.
الصلاحيات الدبلوماسية: يتولى إدارة السياسة الخارجية بمساعدة كاتب الدولة للخارجية، وكذلك تعيين السفراء والتوقيع على المعاهدات التي تتطلب موافقة مجلس الشيوخ.
الصلاحيات العسكرية: الرئيس هو القائد الأعلى للجيش ويتولى قيادة العمليات العسكرية، مع العلم أن إعلان الحرب هو حق الكونغرس وحده.
القيود الواردة على سلطات الرئيس الأمريكي:
قيود قانونية: تنحصر في قصر مدة الرئاسة لتفادي التحول إلى دكتاتورية.
قيود سياسية: تأثير الأحزاب السياسية.
قيود تجاه المواطنين: هناك قيود صارمة من طرف القضاء لا يستطيع الرئيس تجاوزها.
الوظائف التي يُمنع على السلطة التنفيذية ممارستها لضمان الفصل المطلق:
-لا يجوز لأعضاء الحكومة الجمع بين عضويتها وعضوية البرلمان.
-لا يمكن لرئيس الجمهورية دعوة البرلمان للانعقاد، أو تأجيل دورات انعقاده، أو تغيير جدول عمله، أو حله.
-لا يمكن لأعضاء الحكومة حضور جلسات البرلمان بصفة رسمية تخول لهم المشاركة في التشريع.
-الكونغرس هو من يضبط الميزانية فقط.
ثانياً: صلاحيات السلطة التشريعية(الكونغرس):
يتكون الكونغرس من مجلسين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
1-مجلس النواب الأمريكي:
يمثل مجلس النواب الشعب الأمريكي، ويُنتخب أعضاؤه لمدة سنتين بالاقتراع العام المباشر.
يتكون المجلس من 435 عضواً ويشترط في المرشح أن يبلغ من العمر 25 سنة على الأقل، وأن يتمتع بالجنسية الأمريكية منذ 7 سنوات، وأن يقيم في الولاية.
يتم انتخاب الأعضاء حسب عدد السكان في الولاية (نائب عن كل 500 ألف مواطن تقريباً).
2-مجلس الشيوخ الأمريكي:
يتكون من 100 عضو، وتمثل كل ولاية بنائبين مهما كان عدد سكانها.
يتم انتخاب الأعضاء لمدة 6 سنوات بالاقتراع العام المباشر، ويتم تجديد ثلث الأعضاء كل عامين.
يشترط في المرشح بلوغ سن 30 سنة، وحيازة الجنسية الأمريكية لمدة لا تقل عن 9 سنوات، والإقامة في الولاية.
صلاحيات الكونغرس:
يُلاحظ في النظام الرئاسي الأمريكي أن مجلس الشيوخ يتفوق وله أهمية أكبر من مجلس النواب.
يعود السبب في ذلك إلى قلة عدد أعضاء مجلس الشيوخ، وجدية المناقشات وتنظيمها، بالإضافة إلى أن أعضاء مجلس الشيوخ يُنتخبون لمدة أطول، مما يمنحهم حرية ووقتاً كافياً لدراسة القوانين.
وقد خص الدستور مجلس الشيوخ بصلاحيات محددة، منها:
-موافقته على تعيين السفراء وكبار الموظفين والقضاة.
-التصديق بأغلبية الثلثين على المعاهدات التي يبرمها رئيس الجمهورية.
أما باقي الصلاحيات، فيشارك فيها المجلسان ويمارسانها بالتساوي، وأهمها:
-التشريع: سن القوانين.
-التصويت على الميزانية.
-مراقبة المرافق العامة.
-الصلاحيات الانتخابية.
-صلاحية تعديل الدستور: كما نصت عليه المادة 5 من الدستور الأمريكي، حيث يصدر الاقتراح من الكونغرس بأغلبية الثلثين في كلا المجلسين، ويختار الكونغرس إحدى طرق المصادقة على التعديل: إما من قبل ثلاثة أرباع المجالس التشريعية للولايات، أو من قبل مؤتمرات تنعقد في ثلاثة أرباع الولايات.
-الصلاحية القضائية: تتمثل الصلاحية القضائية في قدرة الكونغرس على محاسبة الرئيس في حالة ارتكابه جريمة كبيرة كالرشوة أو الخيانة العظمى.
ولمجلس النواب الحق في تحديد المخالفات وتقرير التهمة الموجهة إلى الرئيس، بينما يتولى مجلس الشيوخ الحكم عليه. يكون قرار مجلس النواب بالأغلبية البسيطة، وحكم مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين، ويرأس مجلس الشيوخ القاضي الأعلى للمحكمة العليا في هذه الحالة.
-الصلاحية المالية: يشرف الكونغرس على أمر الإنفاق، فهو الذي يوافق على الاعتمادات المالية التي تطلبها الحكومة، مما يشكل وسيلة ضغط على السلطة التنفيذية وإجبارها على تتبع السياسة التي يرسمها الكونغرس.
علاقة الكونغرس بالحكومة:
-لا يمكن للبرلمان التدخل في تعيين أو عزل أعضاء الحكومة، فهذه من صلاحيات الرئيس وحده.
-أعضاء الحكومة غير مسؤولين أمام البرلمان، وليس للبرلمان الحق في توجيه أسئلة لأعضاء الحكومة.
-حق رئيس الجمهورية في الاعتراض على القوانين (حق الفيتو): يمكن للرئيس رفض التوقيع على قانون أقره الكونغرس، مما يعيده إلى الكونغرس لإعادة التصويت عليه بأغلبية خاصة لتجاوز الفيتو.
-حق إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين: وهو تدخل من السلطة التنفيذية في عمل السلطة التشريعية للكونغرس.
-حق الرئيس في توجيه رسائل للبرلمان: لإحاطته بموضوع معين بقصد التأثير على الكونغرس وعمله.
-حق مجلس الشيوخ في الاشتراك في تعيين كبار موظفي الدولة.
-حق مجلس الشيوخ في توجيه الاتهام الجنائي لأعضاء السلطة التنفيذية.
-يتولى رئيس الجمهورية توقيع الاتفاقيات الدولية والمعاهدات بعد استشارة مجلس الشيوخ.
-حق مجلس الشيوخ في الاشتراك مع رئيس الجمهورية في جوانب من العلاقات الخارجية مثل تعيين السفراء.
-يتولى رئيس الجمهورية إعلان الحرب بعد استشارة مجلس الشيوخ (رغم أن إعلان الحرب فعلياً من صلاحيات الكونغرس).
الفقرة الثالثة: استقلال السلطات في النظام الرئاسي (الأمريكي):
أولاً: أوجه استقلال الكونغرس الأمريكي:
الكونغرس الأمريكي، أو الجهاز التشريعي، يتكون من مجلس النواب ومجلس الشيوخ ومهمته الأساسية هي اقتراح وسن القوانين دون أي تدخل من الجهاز التنفيذي.
أغلب اقتراحات القوانين تصدر من مجلس النواب وفي النظام الرئاسي لا يمكن لمجلس النواب تفويض سن القوانين للسلطة التنفيذية كما هو الحال في فرنسا مثلاً، إذ أن التشريع غير قابل للتفويض.
كما أن تعيين الرئيس لأي موظف كبير أو توقيع أي معاهدة دولية يتطلب موافقة مجلس الشيوخ، مما يؤكد استقلال الكونغرس في مهامه الرقابية.
ثانياً: أوجه استقلال الرئيس الأمريكي:
يتمتع الرئيس الأمريكي باستقلال كبير عن الكونغرس، وهو ما يجسد مبدأ الفصل المطلق بين السلطات في النظام الرئاسي. تتجلى أوجه هذا الاستقلال في النقاط التالية:
1-استقلالية الانتخاب:
يُنتخب الرئيس مباشرة من الشعب (بواسطة المجمع الانتخابي)، مما يمنحه شرعية شعبية مستقلة عن الكونغرس. هذا يجعله غير مسؤول أمام البرلمان سياسياً، ولا يمكن للكونغرس سحب الثقة منه أو إجباره على الاستقالة إلا في حالات نادرة جداً ومحددة (مثل الإقالة الجنائية).
2-عدم المسؤولية أمام الكونغرس:
لا يمكن للكونغرس توجيه أسئلة للوزراء أو فرض سياسته على الحكومة، لأن الوزراء مسؤولون فقط أمام الرئيس الذي عينهم ويمكنه عزلهم في أي وقت.
3-الاستقلال في تشكيل الحكومة:
يختار الرئيس أعضاء حكومته (كتاب الدولة) بحرية، وهم يعملون تحت إشرافه المباشر، دون الحاجة لثقة الكونغرس أو موافقته على برنامجهم الحكومي.
4-حق الفيتو التشريعي:
يملك الرئيس حق الاعتراض (الفيتو) على القوانين التي يسنها الكونغرس. هذا الحق يمنحه قوة تشريعية غير مباشرة، حيث يتطلب تجاوز الفيتو موافقة أغلبية الثلثين في كلا المجلسين التشريعيين، وهو أمر صعب التحقيق.
5-القائد الأعلى للقوات المسلحة:
يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة كقائد أعلى للقوات المسلحة، مما يمنحه سلطة كبيرة في إدارة الشؤون العسكرية والسياسة الخارجية، وإن كان إعلان الحرب رسمياً من اختصاص الكونغرس.
6-إصدار الأوامر التنفيذية:
يمكن للرئيس إصدار أوامر تنفيذية لها قوة القانون لتنفيذ السياسات، دون الحاجة لموافقة الكونغرس في بعض الأحيان، مما يعزز سلطته التنفيذية.
ثالثاً: أوجه استقلال السلطة القضائية:
تُعد السلطة القضائية في الولايات المتحدة مستقلة تماماً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو مبدأ أساسي لضمان العدالة وحماية الحريات. يتجسد هذا الاستقلال في:
1-تعيين القضاة مدى الحياة:
يُعين القضاة الفيدراليون، بمن فيهم قضاة المحكمة العليا، مدى الحياة (ما لم يتم إقالتهم بسبب سوء السلوك)، مما يضمن لهم الاستقلالية عن الضغوط السياسية أو الانتخابية.
2-الحصانة ضد التخفيضات في الرواتب:
لا يمكن تخفيض رواتب القضاة، مما يحميهم من الضغوط المالية من قبل السلطتين الأخريين.
3-الرقابة الدستورية:
تتمتع المحكمة العليا بسلطة المراجعة القضائية (Judicial Review)، والتي تسمح لها بإعلان عدم دستورية القوانين الصادرة عن الكونغرس أو الأوامر التنفيذية الصادرة عن الرئيس، مما يجعلها رقيباً فعالاً على السلطتين التشريعية والتنفيذية.
4-الحياد والفصل الوظيفي:
تختص السلطة القضائية بفصل النزاعات وتطبيق القانون دون التدخل في سن القوانين أو تنفيذها.
الخاتمة:
إن النظام الرئاسي، بتطبيقه الصارم لمبدأ الفصل بين السلطات، يهدف إلى تحقيق التوازن ومنع تركز السلطة في يد واحدة، وبالتالي حماية الحريات. ورغم الاستقلالية الظاهرية لكل سلطة، إلا أن هناك آليات للرقابة المتبادلة والتعاون الضروري لضمان سير الدولة وفعالية الحكم، مما يخلق ديناميكية فريدة في الأنظمة الدستورية الكبرى.
المحور الرابع: النظام البرلماني البريطاني:
تُعتبر بريطانيا نموذجًا للنظام البرلماني، حيث ظهر بها في القرن الثامن عشر، وعُرف باسم النظام الكلاسيكي أو النظام الثنائي.
يُحقق هذا النظام فصلًا مرنًا بين السلطات وتوازنًا بين المؤسسات، ويسمح بنوع من الرقابة المتبادلة. وبذلك، يصبح لزامًا على الحكومة الحصول على ثقة البرلمان، ويحق للحكومة حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة في حالة النزاع بينهما.
الفقرة الأولى: السياق التاريخي للنظام البرلماني:
تُلقب بريطانيا بـ "أم البرلمانات"، فقد كانت أساس مقومات النظام النيابي الذي سيُعمَل به في مختلف ديمقراطيات العالم لاحقًا.
لم يتأسس النظام البرلماني البريطاني بناءً على نظرية سياسية جاهزة، بل جاء كنتيجة لتراكم تجربة تطور المجتمع الإنجليزي ونضج مؤسساته الدستورية. لذلك، فإن الاهتمام بالتجربة البريطانية هو في نفس الوقت اهتمام بنشأة وتطور النظام البريطاني، الذي يتصدر قائمة النظم السياسية في العالم المعاصر.
تكمن الميزة الرئيسية للنظام البرلماني في بريطانيا في كونه يقوم بالأساس على مجموعة من القواعد القانونية الدستورية العرفية، بالإضافة إلى بعض القوانين ذات الطابع الدستوري التي أقرتها البرلمانات البريطانية في فترات متباعدة.
تعود الأصول التاريخية للنظام البرلماني القائم حاليًا في بريطانيا إلى بدايات العصور الوسطى، فمنذ ذلك الحين عرف هذا النظام تطورات هامة بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في جسم المجتمع البريطاني. يمكن تلخيص هذا التطور التاريخي بثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى: الصراع من أجل الحريات العامة والحد من السلطة الملكية المطلقة:
تميزت هذه المرحلة بصراع مرير على السلطة بين الملوك الذين كانوا يطمحون للحكم المطلق، وبين طبقة النبلاء الأرستقراطيين وملاك الأراضي الذين كانوا يحرصون على صيانة امتيازاتهم ويطمعون بالحد من سلطات الملك المطلقة لمصلحتهم.
خلال هذا الصراع الطويل الذي استمر حتى النصف الثاني من القرن السابع عشر، اضطر الملوك أمام ضغط النبلاء وتمردهم للتخلي عن جزء من سلطاتهم والاعتراف للنبلاء ببعض الحقوق والحريات.
إلا أن تراجع الملوك في هذا الصدد لم يخلُ من عدة محاولات لإعادة بسط الحكم المطلق الذي لم يتم وضع حد نهائي له إلا بعد ثورة 1688.
المرحلة الثانية: قيام النظام البرلماني البريطاني:
أخذت ملامح النظام البرلماني في بريطانيا تبرز منذ أواخر القرن السابع عشر، وخاصة بعد ثورة 1688. ثم ما لبثت أسس هذا النظام وقواعده التقليدية أن اتضحت وترسخت خلال القرنين التاليين.
فالصراع الذي دار بين الملك والبرلمان الممثل للأرستقراطية خلال القرون الخمسة السابقة، أدى تدريجيًا إلى ضعف وزن الملك وتأثيره في الحياة السياسية، في حين انتقلت مهام ممارسة الحكم إلى الحكومة المنبثقة عن البرلمان والعاملة تحت مراقبته.
هكذا أصبح البرلمان هو الممثل للإرادة الشعبية والمصدر الأساسي للسلطة، وليس الملكية المطلقة التي تحولت إلى مؤسسة رمزية "تسود ولا تحكم".
المرحلة الثالثة: إرساء أسس الديمقراطية:
كانت الديمقراطية بمعناها الواسع، الذي يفترض مشاركة جميع المواطنين على قدم المساواة في تقرير شؤون الحكم وتسيير القضايا العامة، غير معروفة في المجتمع البريطاني حتى بداية القرن العشرين.
فالنظام البرلماني الذي أمكن تحقيقه خلال الصراع بين الأرستقراطية والملك كان نظامًا غير ديمقراطي لأنه كان يحصر قضية المشاركة في الحياة السياسية بفئة قليلة من أفراد الشعب تضم بشكل رئيسي أبناء الطبقتين الأرستقراطية والبرجوازية الكبيرة، في حين أن الأغلبية الساحقة من أفراد الشعب كانت مستبعدة عن الحياة العامة ومحرومة من أبسط الحقوق السياسية.
لقد تصدت الطبقة البرجوازية منذ بداية القرن التاسع عشر لقيادة الحركة الديمقراطية، وذلك خدمة لمصالحها السياسية وتلبية لمطالب جماهير سكان المدن الكبرى التي كانت ترى أنه من غير الطبيعي استمرار إبعادها عن الحياة السياسية بعد أن ازداد وزنها وتأثيرها في حياة البلاد الاقتصادية والاجتماعية.
وقد استهدف نضال الحركة الديمقراطية تحقيق أمرين رئيسيين: القضاء على نظام الانتخاب القديم وإقرار مبدأ الانتخاب العام والشامل، وإعطاء الأولوية في الحياة السياسية لمجلس العموم باعتباره المجلس المنتخب من الشعب والمعبر بالتالي عن إرادته.
حتى عام 1909، كان مجلس اللوردات يتمتع بسلطات تشريعية ومالية وقضائية تميزه عن مجلس العموم وتعطيه مركز الأولوية داخل البرلمان.
كان لا بد للحركة الديمقراطية أن تتعرض بالنقد لهذه المؤسسة الأرستقراطية من أجل إضعافها لصالح مجلس العموم. وقد سنحت الفرصة للحركة الديمقراطية لتحقيق هذا الهدف على إثر الخلاف الذي نشب في عام 1909 بين حكومة الأحرار ومجلس اللوردات حول إقرار مشروع قانون الموازنة العامة الذي كان يتضمن بعض التدابير الإصلاحية ومن بينها فرض ضريبة على الدخل. وقد اعتبر المجلس أن من شأن هذه التدابير إحداث تغيير جذري للمجتمع يهدد مصالح الأرستقراطية، ولذلك قام برفض الموافقة على المشروع. وإزاء هذا الموقف، قررت الحكومة الاستمرار في المواجهة وإدخال الشعب في القضية، فطلبت من الملك حل مجلس العموم وإجراء انتخابات جديدة يمكن من خلالها معرفة ما إذا كانت الأغلبية الشعبية تساند الحكومة في موقفها أم تعارضها وتؤيد مجلس اللوردات.
عندما أسفرت الانتخابات عن فوز الأغلبية الجديدة من حزب الأحرار، تأكدت الحكومة من تأييد الشعب لها، فزادت من ضغطها على مجلس اللوردات الذي لم يجد أمامه إلا الإذعان للإرادة الشعبية، فرضخ للحكومة واضطر سنة 1911 للتصويت بالموافقة على مشروع قانون هام عرف فيما بعد بـ "القانون البرلماني". نص هذا القانون على أن جميع الصلاحيات المالية هي لمجلس العموم، وحصر صلاحيات مجلس اللوردات في المجال التشريعي العادي. هكذا أصبح مجلس العموم المنتخب من الشعب هو المجلس الأهم في البرلمان البريطاني، في حين تراجع مجلس اللوردات الذي يمثل النبلاء ليكتفي بدور رمزي وهامشي.
الفقرة الثانية: عناصر النظام البرلماني البريطاني:
يقوم النظام البرلماني في بريطانيا على أساس التفاعل بين عدة مؤسسات سياسية هي البرلمان، الحكومة، والملك.
ويتميز باعتماده على عنصرين أساسيين: ثنائية السلطة التنفيذية وتعاون المؤسسات في تسيير الشؤون العامة للدولة.
يضم الجهاز التشريعي مجلس العموم ومجلس اللوردات، بينما يتحدد الجهاز التنفيذي في رئيس الدولة (وهو الملك) ثم الحكومة. فالملك يتميز بعدم مسؤوليته إذ ليس له أي اختصاصات فعلية، وتبقى الحكومة هي المسؤولة فعليًا وتمارس سلطات رئيس الدولة، وتتميز بالوحدة والتجانس والتضامن.
أولًا: رئيس الدولة في النظام البرلماني البريطاني:
كان النظام الملكي في بريطانيا قديمًا ذا صبغة مطلقة، وتدريجيًا تم الانتقال في اتجاه نقل السلطات الفعلية من الملك إلى الحكومة بعد إدخال العديد من التعديلات على المؤسسات وطريقة عملها وسيرها حتى تحقق الفصل بين العرش والجهاز الحكومي.
فالملك "يسود ولا يحكم"، وبقيت المؤسسة الملكية تحظى بتقدير واحترام البريطانيين، لكنهم يعتبرونها إرثًا تاريخيًا دون أن تكون لها أية صلاحيات تنفيذية فعلية.
فالعرش ينتقل بين أفراد عائلة هانوفر الجرمانية الأصل رجالًا ونساءً مع تفضيل للرجال. وعمليًا، الملك لا يشارك في الحكم، بل يشرف فقط على مراسم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الحاصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين. فالمسؤول عمليًا هو الحكومة وليس الملك؛ لأن القرار السياسي بيد الحكومة وليس بيد الملك، عملًا بالمثل القائل: "من لا سلطة له لا مسؤولية عليه".
كما أن توقيع الملك لا يحظى بأي قيمة بدون توقيع رئيس الحكومة، فرئيس الدولة الفعلي هو رئيس الوزراء وهو المسؤول أمام البرلمان.
هكذا، وبعد أن كان الملك في الماضي يتولى كافة مهام السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيصدر القوانين كما يشاء ويتولى الإشراف على تنفيذها من خلال وزرائه ومعاونيه، أخذت سلطاته تنكمش شيئًا فشيئًا لتصبح منذ أوائل القرن الثامن عشر مجرد سلطات رمزية يلخصها المثل المعروف بأن "الملكية تسود ولا تحكم".
تقوم المؤسسة الملكية على مبدأ الوراثة، وينتقل العرش فيها من الملك الراحل إلى ولده الأكبر سواء أكان ذكرًا أم أنثى. ويتمتع الملك ببعض الصلاحيات التقليدية والشرفية التي ما يزال يحتفظ بها من العصور السابقة، ومن أهم هذه الصلاحيات:
صلاحيات الملك:
-صلاحية التصديق على القوانين التي يقرها البرلمان، ومصادقة الملك وتوقيعه لا بد منهما من أجل نشر القوانين وإصدارها ووضعها موضع التنفيذ.
ومع أن الملك يستطيع نظريًا أن يعترض على القوانين ويحول بالتالي دون تنفيذها، فإنه لم يقم بأي بادرة من هذا النوع منذ عام 1707.
-صلاحية تعيين الوزير الأول وهو رئيس حزب الأغلبية في مجلس العموم.
-صلاحية تعيين بعض أعضاء مجلس اللوردات وكذلك تعيين كبار الموظفين في السلكين المدني والعسكري.
-صلاحية تمديد مدة ولاية مجلس العموم وحل هذا المجلس قبل انتهاء ولايته بناءً على اقتراح من الحكومة.
-صلاحية إعلان الحرب والسلام، وإبرام المعاهدات الدولية والاعتراف بالدول والحكومات الأجنبية، وإرسال المبعوثين الدبلوماسيين للخارج لاستقبال ممثلي الدول الأجنبية في بريطانيا.
-صلاحية منح الألقاب والأوسمة.
-صلاحية إصدار عفو خاص عن المحكومين.
-صلاحية تولي القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية.
والجدير بالذكر بالنسبة لجميع هذه الصلاحيات التقليدية، أن الملك لا يستطيع مباشرتها وممارستها إلا بناءً على اقتراح الحكومة ومشاركة الوزير الأول وبعض الوزراء المعنيين بالتوقيع على المراسيم الملكية المتعلقة بها.
ثانيًا: الحكومة في النظام البرلماني البريطاني:
الحكومة هي بمثابة لجنة منبثقة عن مجلس العموم، أعضاؤها يمثلون الأغلبية البرلمانية الفائزة في الانتخابات التشريعية. فالحزب الذي حظي بثقة الشعب هو أساس الحكومة، والملك ملزم باستدعاء رئيس الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية وتكليفه بتشكيل الحكومة. فالنظام البرلماني هو نظام حكومة الوزارة وريثة اختصاصات الملك وسلطات الملك.
تضم الحكومة وفق المفهوم البريطاني كل الأفراد الذين تجمعهم روابط التضامن الحزبي والذين يجدون أنفسهم مسؤولين أمام البرلمان، وهم حوالي مائة شخص موزعون بين الوزراء والأمناء العامين للدولة، وذلك من أجل إفساح المجال للنخب الشابة لممارسة السلطة.
وعليه، فالحكومة تختلف عن مجلس الوزراء الذي يضم فقط الوزراء الذين اختارهم رئيس الوزراء، وهم من 15 إلى 25 وزيرًا. رئيس الوزراء هو حجر الزاوية، فهو من يعين الوزراء ويقيلهم ويسهر على حسن سير المجلس. وفي حال سقوطه، فإن الحكومة تسقط كلها، وفق مبدأ التضامن الحكومي أو المسؤولية الحكومية التضامنية.
لكن رئيس الوزراء يبقى محتاجًا إلى ثقة البرلمان وهو مجلس العموم، كما أن له الكثير من الامتيازات مثل تسليم المراتب الشرفية والألقاب والعفو، وله أيضًا حق حل البرلمان.
صلاحيات الحكومة في النظام البرلماني البريطاني:
تتولى الحكومة البريطانية صلاحيات هامة وواسعة، رغم أنها تخضع نظريًا لمراقبة الملك والبرلمان، ومن أهم هذه الصلاحيات:
-تحديد السياسة العامة للبلاد في مختلف المجالات.
-مراقبة الإدارة والسهر على حسن تنفيذ القرارات التي تتخذها الحكومة.
-حق اتخاذ المبادرة في قضايا التشريع المالي، وبهذا تسيطر الحكومة على مجمل الحياة المالية في البلاد.
-مشاركة البرلمان في حق المبادرة التشريعية، والحكومة تقوم في الواقع بالمبادرة واقتراح الجزء الأكبر من القوانين التي يصدرها البرلمان.
-حق إصدار نصوص لها قوة القانون، بناءً على تفويض خاص تحصل عليه من مجلس العموم، وبموجب هذا الحق تتحول الحكومة إلى ممارسة صلاحيات التشريع في البلاد.
دور الحكومة في الحياة السياسية في النظام البرلماني البريطاني:
إن الأهمية الكبيرة للدور الذي تلعبه الحكومة البريطانية في الحياة السياسية لا تعود لطبيعة المهمات التقليدية التي تتمتع بها الحكومات في الأنظمة البرلمانية، وإنما لكون هذه الحكومة تستمد ثقتها الفعلية من الشعب مباشرة.
فمن الناحية النظرية، يقوم الشعب البريطاني بانتخاب ممثلين له في مجلس العموم، ومن ثم يقوم هؤلاء باختيار الوزير الأول.
إلا أن الواقع يشير إلى أنه بفضل نظام الثنائية الحزبية وتنظيم وانضباط الأحزاب، والتزام الملك باحترام الإرادة الشعبية، فإن الشعب يقوم أثناء الانتخابات باختيار الوزير الأول الذي يقال عنه بأنه "ملك منتخب لمدة محدودة"، كما يقوم باختيار الحكومة التي تتشكل من اللجنة القيادية للحزب الفائز.
إن هذا الوضع يعطي الحكومة البريطانية مكانة ومركزًا قويًا ضمن الحياة السياسية للبلاد، فهي لم تعد عمليًا مسؤولة عن أعمالها وسياستها أمام البرلمان، وإنما هي مسؤولة مباشرة أمام الشعب الذي تستمد قوتها من ثقته بها.
ثالثًا: البرلمان في النظام البرلماني البريطاني:
يعود الأصل التاريخي للمؤسسة البرلمانية في بريطانيا إلى "المجلس العام للمملكة" الذي درج الملوك منذ القرن الحادي عشر لدعوته للاجتماع في بعض الأوقات العصيبة.
وكان يضم عددًا من كبار النبلاء ورجال الدين الذين يختارهم الملك، وكان دور المجلس في البداية استشاريًا يقتصر على بيان الرأي في القضايا التي يعرضها عليه الملك.
في عام 1265، دعا الملك بعض المقاطعات والمدن الهامة إلى انتخاب ممثلين عنها من كبار أعيانها وفرسانها لحضور اجتماعات المجلس العام إلى جانب النبلاء ورجال الدين.
وخلال القرن الرابع عشر، اتفق أعضاء المجلس العام على أن يجتمع النبلاء ورجال الدين في مجلس خاص، ويجتمع ممثلو المقاطعات والمدن في مجلس آخر.
وقد تكرس هذا الانفصال في عام 1351، فأخذ المجلس الأول اسم مجلس اللوردات (مجلس النبلاء)، في حين أخذ المجلس الثاني اسم مجلس العموم (ممثل المدن والمقاطعات الهامة)، وهما المجلسان اللذان يتألف منهما البرلمان البريطاني حاليًا.
1-مجلس اللوردات:
يهيمن عليه الطبقة البورجوازية والأرستقراطية، ويضم 800 عضو على أساس وراثي ولمدى الحياة. هو مجلس لم تعد له أية صلاحيات فعلية بعد عام 1911، ولا يسن القوانين بل له فقط حق الاعتراض. لكن هذا المجلس يلعب دورًا مهمًا في صياغة الرأي العام، فاللورد شخصية محترمة ومتميزة وتدخلاته تكون على مستوى عال وله مكانة وسمو معنوي بين الناس.
يتألف من حيث تركيبة أعضائه من أربع فئات:
-الفئة الأولى: تضم اللوردات الملكيين.
-الفئة الثانية: تضم اللوردات الروحيين الذين يمثلون رؤساء الكنيسة الإنجليكانية، وهم يستمرون في عضويتهم طالما استمروا في شغل مهامهم الكنسية.
-الفئة الثالثة: اللوردات القانونيون ويمثلون القضاة ورجال القانون.
-الفئة الرابعة: وتضم اللوردات الزمنيين وتشتمل بدورها على أربعة أصناف من اللوردات:
اللوردات بالوراثة.
اللوردات الذين يعينهم الملك من بين الشخصيات التي قدمت لبريطانيا خدمات جليلة أو أعمالًا قيمة في مختلف مجالات العلم والفكر والسياسة.
اللوردات الذين يمثلون مقاطعات اسكتلندا.
لوردات الاستئناف العادي ويعينهم الملك لمدى الحياة للقيام بالصلاحيات القضائية لمجلس اللوردات.
والجدير بالذكر أن هؤلاء اللوردات يشكلون بمجموعهم لجنة خاصة يرأسها وزير العدل، للقيام بمهام محكمة الاستئناف العليا في المملكة.
وتتولى هذه المحكمة بالإضافة لمهام الاستئناف العادي صلاحية محاكمة أعضاء الحكومة في حال توجيه تهم إليهم في قضايا جنائية من طرف مجلس العموم، وكذلك محاكمة أعضاء مجلس اللوردات في حالة الخيانة العظمى.
كما يلعب مجلس اللوردات دورًا مهمًا في تحسين نصوص مشاريع القوانين المعروضة عليه من طرف مجلس العموم، كما يحتفظ بحق شل عمل المجلس سنة كاملة بإصداره الفيتو على مشروع للتصويت، ويمكنه الاعتراض على مشروع قانون المالية لمدة سنةمجلس العموم: هو المؤسسة التي تمثل الشعب، وتُختار بالاقتراع المباشر بين الرجال والنساء على حد سواء ابتداءً من 1928، حيث لم يكن التصويت من حق النساء. وتتميز بريطانيا بوجود حزبين فقط (المحافظين والعمال)، وذلك ضمانًا للاستقرار الحكومي. مدة نيابة مجلس العموم 5 سنوات، ويختار رئيسه من بين أعضائه.
2-مجلس العموم:
هو الجهاز التشريعي الفعلي، يضم 635 عضوًا، وهو المعبر عن صوت الأمة. ولا يحق للملك الاعتراض على القوانين التي يقرها مجلس العموم باعتباره صوت الأمة الأعلى. وسواء كان مشروع القانون حكوميًا أم برلمانيًا، فيجب بالضرورة مروره من مجلس العموم والمصادقة عليه قبل العمل به. وينتخب المجلس من بين أعضائه رئيسًا يدعى المتحدث.
ويتمتع هذا المتحدث ببعض الامتيازات من أهمها حق تنظيم المناقشات في المجلس وحق البت فيما إذا كان مشروع القانون المعروض على المجلس ذا طابع مالي، وبالتالي لا يجوز عرضه على مجلس اللوردات.
=وظائف مجلس العموم:
لمجلس العموم ثلاث وظائف رئيسية: وظيفة تشريعية، وظيفة مالية، وظيفة الرقابة على العمل الحكومي.
الوظيفة التشريعية:
لكل عضو الحق في اقتراح القوانين ولكن بشكل مقيد، ولذلك نجد أن الإنتاج التشريعي هو بنسبة 90% للحكومة. وينظر مجلس العموم في مشاريع القوانين المحالة عليه من الحكومة.
الوظيفة المالية:
للمجلس الحق في مناقشة الميزانية، فتقدم الحكومة كل سنة للمجلس مشروع الميزانية بشقيها (النفقات، الإيرادات) كما تخضع بعض النفقات العمومية للرقابة من مجلس العموم كالدين العمومي وأجور كبار أعيان الدولة، على اعتبار أن مجلس العموم يمثل المواطنين الذين يؤدون الضرائب ويساهمون في مالية الدولة.
الوظيفة الرقابية:
يراقب البرلمان عمل الحكومة عن طريق الأسئلة البرلمانية الموجهة للوزراء المطالبين بالإجابة عنها، وتمثل هذه الأسئلة شكاوى المواطنين كما تعرف حضورًا إعلاميًا.
كما للبرلمان تقديم ملتمس الرقابة على الحكومة لأن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان. وإذا ما قدم ملتمس رقابة وتم التصويت عليه بالأغلبية، وجب على الحكومة أن تستقيل. لكن بما أن الحكومة تكون منبثقة عن الأغلبية البرلمانية، فإن احتمالية التصويت بالأغلبية على ملتمس الرقابة تبقى ضعيفة.
الفقرة الثالثة: العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية في النظام البرلماني:
تقوم العلاقة بين السلطات في النظام البرلماني على أساس التعاون والتوازن.
أولًا: التعاون:
على الرغم من أن الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي يمارسان مهامهما الرئيسية بشكل منفصل، إلا أن كلًا منهما يساهم في بعض وظائف الجهاز الآخر.
فالسلطة التنفيذية تساهم في وضع القوانين، وفي بعض الأحيان تُعطى الأسبقية لمشاريعها. ولرئيس الدولة حق طلب قراءة جديدة، كما يمارس سلطة إصدار الأمر بتنفيذ القانون.
أما السلطة التشريعية فتساهم في أعمال السلطة التنفيذية عن طريق إقرار القانون المالي والتشريعات اللازمة، والمصادقة على المعاهدات، إضافة إلى مراقبة العمل الحكومي بوسائل مختلفة كالأسئلة الكتابية والشفوية والاستجوابات والتحقيقات.
ثانيًا: التوازن:
يتحقق التوازن في النظام البرلماني من خلال وسائل الضغط المتبادلة وهي: المسؤولية السياسية وحق الحل.
1- المسؤولية السياسية:
يُقصد بهذا المبدأ بصفة عامة أن الحكومة لا يمكن أن تمارس السلطة إلا بعد الحصول على ثقة البرلمان. فممارسة الحكم مرهونة باكتساب ثقة الأغلبية البرلمانية، وكل سحب لهذه الثقة يترتب عليه سقوط الحكومة ولذلك، لم يعد من الضروري أن يتمتع الوزراء بثقة رئيس الدولة والبرلمان في آن واحد.
وتعتبر المسؤولية السياسية الوسيلة الأساسية لممارسة البرلمان رقابة حقيقية للعمل الحكومي، وهي تتعلق بعمل الوزراء لا بعمل رئيس الدولة. ويمكن أن تكون إما فردية أو جماعية، على الرغم من أن هذه المسؤولية يطبعها عادة طابع التضامن الوزاري.
تُمارس المسؤولية السياسية بمسطرتين مختلفتين حسب الطرف الذي يتخذ المبادرة:
طرح مسألة الثقة: إذا تم ذلك بمبادرة حكومية.
ملتمس الرقابة: إذا تم ذلك بمبادرة برلمانية.
نظرًا لما يمكن أن تشكله هذه الإجراءات من خطر على الاستقرار الحكومي، فإن النظام البرلماني يفترض وجود أغلبية متماسكة، إلا أنها قد لا تكون متوفرة في حالة التعددية الحزبية.
وقد عملت الدساتير على تنظيم هذه الإجراءات ببعض الصرامة. فالحكومة ليست ملزمة بتقديم استقالتها إلا بعد طرح مسألة الثقة أو بعد تصويت إيجابي على ملتمس الرقابة، تفاديًا لإثارة المسؤولية الوزارية بشكل مفاجئ. كما أن الدستور ينص على ضرورة احترام أجل معين بين طرح الملتمس والتصويت عليه، وعادة لا يُقبل ملتمس رقابة ثانٍ إلا بعد مدة معينة، إضافة إلى ضرورة التصويت بنسبة هامة من أعضاء المجلس كالأغلبية المطلقة من الأعضاء أو ثلثي الأعضاء.
2-حق الحل:
-السلطة التنفيذية والرقابة على التشريع:
يحق لمجلس الوزراء الدعوة إلى انتخابات تشريعية سواء في حالة حل مجلس العموم أو عند انتهاء ولايته. وتشترك السلطة التنفيذية مع البرلمان في سن القوانين عن طريق اقتراح ما تراه ضروريًا، ودعوته للانعقاد من أجل ذلك.
ويسمح النظام البرلماني البريطاني بالجمع بين عضوية الحكومة ومجلس العموم، إذ يمكن للوزراء حضور جلسات البرلمان بصفتهم الرسمية والاشتراك في المناقشات العامة دفاعًا عن سياسة الحكومة والاشتراك في سن القوانين.
ويُعتبر حل مجلس العموم نوعًا من الرقابة الذي تمارسه السلطة التنفيذية والذي تؤثر به على عمل وتصرفات البرلمان، فيقوم رئيس الوزراء بالدعوة لانتخابات جديدة.
وإذا صوت الشعب للمعارضة، يقدم رئيس الوزراء استقالته وتسقط بذلك الحكومة، اعتبارًا بأن الشعب هو صاحب السلطة يسلمها لمن يشاء، فالحكومة تستمد شرعيتها من الإرادة الشعبية.
-السلطة التشريعية والرقابة على الجهاز التنفيذي:
تتجلى رقابة السلطة التشريعية على الجهاز التنفيذي في مسألتين رئيسيتين:
-حق توجيه الأسئلة والاستجواب:
يحق للبرلمان توجيه الأسئلة للوزراء تتعلق بالسياسة العامة، وهذا النظام يجبر الحكومة على أن تبقى على اتصال دائم بالرأي العام بحثًا عن ثقته.
-سحب الثقة:
وهو أمر قليل الحدوث؛ إذ أن الحكومة منبثقة عن الأغلبية البرلمانية وقد يدفع الحزب رئيس الوزراء للاستقالة قبل تأزيم وضعية الحزب أو سحب الثقة منه، كما حصل مع جون ميجر.
يمكن القول بأن النظام البرلماني قد أكد جدارته وساهم في تطوير المؤسسات لصالح الأمة، عن طريق تقليص دور الملك ونقل صلاحياته إلى الحكومة، وكذلك عن طريق دعم مجلس العموم المنتخب شعبيًا وتقليص صلاحيات مجلس اللوردات، مما أصبح معه الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وهو صاحب السلطة يسلمها لمن يشاء.
المحور الخامس: النظام شبه الرئاسي:
يتموقع النظام شبه الرئاسي بين النظامين الرئاسي والبرلماني، فهو يجمع بين مميزاتهما وخصائصهما. ونموذجه النظام السياسي الفرنسي، فالسلطة السياسية يتقاسمها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. يتمتع رئيس الجمهورية بالوظائف السياسية الجوهرية باعتباره المفوض المباشر ورمز السيادة الوطنية، في حين يتمتع رئيس الوزراء بمهمة الوظيفة السياسية والإدارية للحكومة والعلاقة مع البرلمان والمصالح الخارجية والنقابات والرأي العام.
إذن، في النظام شبه الرئاسي، أو ما يُعرف بـ "النظام الرئاسي البرلماني"، يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكين في تسيير شؤون الدولة. توزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يختلف من بلد إلى آخر.
يختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في كون رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب، ويختلف عن النظام الرئاسي في كون رئيس الوزراء مسؤولًا أمام البرلمان ويمكن محاسبته وعزله إذا لزم الأمر. الأنظمة شبه الرئاسية تقوم على دستور يشمل قواعد يتميز بها عن كل من النظامين البرلماني والرئاسي، فهي تقرر في دساتيرها انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام، وهو يتمتع بسلطات خاصة، بالإضافة إلى وجود وزير أول يقود الحكومة.
يختلف النظام شبه الرئاسي عن النظام الرئاسي في كون هذا الأخير نظامًا سياسيًا يقوم على الفصل بين السلطات الثلاث ويمنح صلاحيات واسعة للرئيس، في حين يتميز النظام شبه الرئاسي بانتخاب الرئيس لكن الحكومة تنبثق من البرلمان وتكون مسؤولة أمامه وأمام الرئيس.
يُعتبر النظام الرئاسي أحد الأنظمة السياسية الديمقراطية التمثيلية، ويقوم على فصل صارم بين السلطات التنفيذية (الرئيس) والتشريعية (البرلمان) والقضائية. كما يركز النظام الرئاسي السلطة التنفيذية في يدي الرئيس الذي يُنتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر، ويشكل حكومة لتنفيذ برنامجه السياسي تكون مسؤولة أمامه وليس أمام البرلمان كما هو الحال في النظام البرلماني.
وبحكم الفصل الصارم بين السلطات، فإن البرلمان ليست له صلاحية إسقاط الحكومة، كما أنها في المقابل لا تملك صلاحية حله.
أما في النظام شبه الرئاسي فيختلف الوضع، إذ يُنتخب الرئيس بالاقتراع العام المباشر ويتمتع بقدر هام من الصلاحيات، وفي نفس الوقت تكون الحكومة منبثقة عن البرلمان ومسؤولة أمامه، يرأسها رئيس الوزراء الذي يتمتع بصلاحيات واسعة وتكون مسؤولة أيضًا أمام رئيس الدولة، وهو ما سنتعرض له في المحاور المقبلة.
يمكن حصر نتائج هذه الثنائية فيما يلي:
-إمكانية حصول خلاف بين الرئيس ورئيس الحكومة: على الرغم من أن الأول هو من يعين الثاني، إلا أنه لا يملك حق نزع الثقة منه، إلا إذا تقدم باستقالته.
-إمكانية تنازع الاختصاص في ممارسة المهام: كمثال، تنفيذ القوانين. وإذا كان رئيس الجمهورية ضامن سير المؤسسات والسلطات العامة، فرئيس الوزراء يضمن تنفيذ القوانين وإدارة أعمال الحكومة. مما تصبح معه إشكالية تدخل أحدهما في تخصصات الآخر واردة، كما حدث بين ميتران وشيراك سنة 1992.
-انعدام المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية ووقوعها على عاتق رئيس الحكومة: على الرغم من أن الرئيس هو الموجه للسياسة العامة، بل تقع عليه المسؤولية الجنائية فقط وليس المسؤولية السياسية، ويحاكم أمام المحكمة العليا في حالة الخيانة.
في جميع الحالات، يتمتع رئيس الجمهورية بمكانة مهمة في ظل المؤسسات السياسية للجمهورية الخامسة، وهي وضعية تفوق ما يحظى به رئيس الحكومة.
ومصدر تلك الأهمية طريقة انتخاب الرئيس بالاقتراع المباشر منذ التعديل الدستوري 1962. أضف إلى ذلك أنه هو من يعين رئيس الحكومة، وله الحق في حل الجمعية الوطنية، ويتوجه بالاستفتاء إلى الأمة في حالة الضرورة.
وعليه، يتضح جليًا أن النظام الفرنسي تحكمه ضوابط ومقاييس توفيقية بين النظامين الرئاسي والبرلماني، فهو يعتد بدعائمهما الأساسية وهي الاختصاصات المهمة لرئيس الجمهورية والأخذ بمبدأ المسؤولية السياسية التضامنية أو الفردية أمام البرلمان، وسمي اصطلاحًا بالنظام شبه الرئاسي، وهو النموذج المستلهم في التجربة المغربية منذ دستور 1962.
والأنظمة شبه الرئاسية تقوم على دستور يشمل قواعد يتميز بها عن النظام البرلماني وقواعده السائدة في المجتمع، فهي تقرر في دساتيرها انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الانتخاب وهو يتمتع بسلطات خاصة، وكذلك وجود وزير أول يقود الحكومة التي كما ذكرنا يستطيع البرلمان إسقاطها. فهو نظام مختلط يجمع بين النظامين البرلماني والرئاسي، ومن أمثلة الأنظمة شبه الرئاسية النظام الفرنسي والنظام البرتغالي والنظام الفنلندي والنظام النمساوي.
الفقرة الاولى: نشأة النظام شبه الرئاسي الفرنسي:
وضع نظرية فصل السلطات الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو (1689-1755)، مستلهمًا إياها من أفكار الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632-1704). وقد رأى مونتسكيو أن تداخل السلطات يؤثر سلبًا على النظام الديمقراطي قائلًا بأن تناغم البرلمان والحكومة (الأغلبية والحكومة المنبثقة عنها) قد يكون عامل تواطؤ في التسيير، كما أن الحكومة قد تُحكم قبضتها على البرلمان نتيجة الولاء السياسي لأعضائه، مما يُفرغ مهمته الرقابية من مضمونها ويقضي عليه كسلطة موازية مفوضة شعبيًا وضامنة للتوازن.
وقد سادت نماذج هذا النظام في الغرب بريادة تاريخية للولايات المتحدة التي أخذت بالنظام الرئاسي عام 1787، وكان خيارًا فرضته طبيعة الدولة الناشئة التي هي في الواقع اتحاد فيدرالي بين عدد كبير من الدول (الولايات)، وتحتفظ فيه كل منها بصلاحيات واسعة في تسيير شؤونها المحلية، في حين تتحكم الحكومة الفيدرالية في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية.
تميز النموذج الأمريكي الرئاسي بتركيز صلاحيات كبيرة في يد الرئيس المستند إلى شرعية سياسية قوية سببها انتخابه بالاقتراع العام المباشر، وفي الآن ذاته تتمتع المجالس التشريعية بكامل الصلاحيات التشريعية. وإلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، توجد السلطة القضائية ممثلة في المحكمة الفيدرالية ذات النفوذ الكبير والصلاحيات الواسعة في إقامة العدل ومساءلة السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ورغم النجاح الباهر للنظام الرئاسي في الولايات المتحدة إلى حد بات معه مرجعًا على المستوى العالمي، فإن الديمقراطيات الأوروبية والأمريكية اللاتينية كانت لها تجارب مريرة مع النظام الرئاسي، مما حدا بها إلى تركه واعتماد النظام المختلط أو ما سُمي بالنظام شبه الرئاسي. ففي أوروبا مثلًا، أنتج الصراع المتواصل بين الجهازين التنفيذي والتشريعي أزمات متواترة كرست عدم استقرار سياسي مزمن. وفي أمريكا اللاتينية، انتهت الصراعات بين السلطة التنفيذية والتشريعية إلى انقلابات عسكرية، وفي أحسن الحالات إلى إصدار الرئيس مراسيم تنفيذية متجاوزًا البرلمان. وقد أوجد هذا الواقع بيئة سياسية غير صحية وتسبب في انتكاسة كبرى للديمقراطية. هكذا تحولت أغلب بلدان أوروبا وأمريكا اللاتينية إلى النظام شبه الرئاسي مدفوعة بالأزمات السياسية المترتبة على النظام الرئاسي والتي غالبًا ما تكون لها نتائج سلبية جدًا على الاستقرار والنمو الاقتصادي.
ففي فرنسا مثلًا، أقر دستور 1848 النظام الرئاسي لكن الصراع السياسي بين السلطة التنفيذية والتشريعية أنهى تلك التجربة بانقلاب عسكري قاده لويس نابليون بونابرت في الثاني من ديسمبر 1851. أما في ظل دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة فقد تم اعتماد النظام المختلط (شبه الرئاسي)، وتكرس ذلك بانتخاب رئيس الجمهورية عبر الاقتراع العام المباشر وليس بالتصويت في البرلمان، عندما قام الرئيس الفرنسي شارل ديغول سنة 1958 بتأسيس ما يُعرف في التاريخ السياسي بـ "الجمهورية الخامسة"، حيث وضع دستورًا جديدًا وعرضه على الاستفتاء الشعبي في سبتمبر عام 1958، وتمت الموافقة عليه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد كان للثورة الجزائرية دور بالغ الأهمية في سقوط الجمهورية الرابعة وقيام الجمهورية الخامسة، فالدولة فشلت والمتسبب في ذلك حسب ديغول هو نظام الأحزاب مما استدعى ضرورة إصلاح مؤسسات الدولة. فبعد استقالة حكومة بيير بفلانلين يوم 28 مايو 1958، طلب رئيس الجمهورية الفرنسية رينيه كوتي من شارل ديغول تشكيل حكومة وهدد بأنه في حالة رفض منح الثقة له من طرف النواب فإنه سيستقيل ويمنح السلطة لرئيس الجمعية الوطنية. وفي اليوم الأول من شهر يونيو 1958 حصل ديغول على ثقة أغلبية النواب (329-224)، وطلب من البرلمان الموافقة على قانون يمنح للحكومة جميع السلطات وتعديل المادة 09 من الدستور المتعلق بتعديل الدستور، فوافق البرلمان على القانون الأول الذي مكنها من اللجوء إلى الأوامر لمدة ستة أشهر كما وافق على المشروع الثاني.
وعلى إثر ذلك، قُدم مشروع الدستور الجديد للجنة الاستشارية لدراسته وصدر مرسوم تشكيلها يوم 16 يوليو 1958. ثم أنشئت المؤسسات الدستورية بموجب الدستور الجديد حيث انتُخب نواب الجمعية الوطنية واجتمعت لأول مرة في 09 ديسمبر 1958. وفي 12 ديسمبر 1958، انتُخب شارل ديغول لولاية رئاسية أولى من قبل هيئة ناخبة خاصة مؤلفة من أعضاء البرلمان والمستشارين وممثلين عن الأعضاء المنتخبين في المجالس البلدية أي نحو 80 ألف ناخب كبير، وتم اعتماد النظام شبه الرئاسي. تميز دستور 1958 بكونه أخذ لأول مرة بنظام برلماني عقلاني يسيطر فيه الجهاز التنفيذي، كما خُوِّلت للرئيس سلطات واسعة اتجهت إلى تقويته، فاقترب النظام الفرنسي الحالي والذي هو برلماني أصلًا من النظام الرئاسي ولذلك سُمي بالنظام شبه الرئاسي.
بعد ذلك، اعتمدت كل من فنلندا وإيرلندا والنمسا والبرتغال النظام المختلط، كما طبقته أغلب دول أوروبا الشرقية لدى عودتها إلى المعسكر الغربي وسقوط المعسكر الشرقي عام 1990. وفي نفس المسار سارت أغلب الدول الإفريقية واختارت النظام المختلط وإن كان فصل السلطات فيها صعب التمييز نظرًا لسيادة الحكم الفردي وهيمنة حزب الرئيس في أغلب الأحيان على المشهد السياسي.
الفقرة الثانية: المؤسسات السياسية في النظام شبه الرئاسي الفرنسي:
للنظام شبه الرئاسي خصائص تميزه عن الأنظمة السياسية الأخرى، فهو مزيج بين التصور البرلماني والرئاسي. ونلاحظ ثنائية في الجهاز التنفيذي حيث نجد رئيس الجمهورية ثم الحكومة ورئيسها. فالرئيس منتخب عن طريق الاقتراع العام ويعين على أساس الأغلبية الرئاسية، في حين أن الحكومة منبثقة من البرلمان وقائمة على أساس الأغلبية الحزبية. أما الجهاز التشريعي (البرلمان) فيتكون بدوره في ظل الجمهورية الخامسة من مجلسين: الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
أولًا: رئيس الجمهورية في النظام شبه الرئاسي الفرنسي:
بعد أن كان رئيس الجمهورية في الحكومة الرابعة يُختار من طرف البرلمان بمجلسيه، أصبح بموجب الدستور الجديد وتعديلاته حتى سنة 1962 يُنتخب مباشرة من طرف الشعب حتى تكون له مصداقية أكبر، وكان الغرض من ذلك هو تقوية مركز الرئيس وهذا ما جعله يحتل مكانة ممتازة في المؤسسات الدستورية.
يستمد رئيس الجمهورية اختصاصاته من طريقة تعيينه فهو الساهر على احترام الدستور والسير العادي للمؤسسات والسلطات العامة واستمرار بقاء الدولة وقوتها، وهو الضامن للاستقلال الوطني وحرمة الدولة الداخلية والخارجية. ويقوم بتعيين رئيس الحكومة وحل الجمعية الوطنية وممارسة الدكتاتورية في حالة الطوارئ.
1-انتخاب رئيس الجمهورية في النظام شبه الرئاسي الفرنسي:
قبل دستور 1962، كان يُنتخب عن طريق هيئة انتخابية تضم أعضاء البرلمان وأعضاء المجالس العمومية وجمعيات بلدان ما وراء البحار وممثلين عن المجالس النيابية بنسب مختلفة على حسب أهمية المناطق.
أما بعد 1962، أصبح رئيس الجمهورية بموجب الدستور يُنتخب مباشرة من طرف الشعب بالاقتراع العام المباشر بالتصويت الفردي وبغالبية الأصوات من جولتين لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد حتى تكون له مصداقية أكبر، وكان الغرض من ذلك هو تقوية مركز الرئيس كونه منتخبًا مباشرة من طرف الشعب وهذا ما يجعله يحتل مكانة ممتازة في المؤسسات الدستورية.
2-صلاحيات رئيس الجمهورية في النظام شبه الرئاسي الفرنسي:
تم تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية في النص التأسيسي للجمهورية الخامسة أي دستور عام 1958. فسلطات الرئيس الحاصل على شرعية الانتخاب الشعبي المباشر مهمة جدًا وحقل عمله شاسع، باعتباره المسؤول الأول عن الجمهورية، فنص المشرع على أن الرئيس هو "العمود الفقري" في الدستور.
وخصص له منذ 1959 مجالًا واسعًا يشمل الدبلوماسية أي السياسة الخارجية والدفاع، حيث يحتكر فيه الصلاحيات، فخوِّل له الدستور تعيين السفراء وأن يفاوض في المعاهدات ويبرمها. وهو أيضًا قائد الجيش وهو المخول في هذا الإطار بحق الضغط على الزر النووي المشفر. ويسهر رئيس الجمهورية على احترام الدستور ويضمن سير عمل السلطات العامة واستمرارية الدولة، وهو الضامن للاستقلال الوطني ووحدة وسلامة الأراضي.
كما يتخذ الرئيس الإجراءات الواجبة في حال واجهت البلاد مخاطر كبرى وآنيّة (المادة 16 من الدستور الفرنسي). والرئيس هو المسؤول عن تعيين الطاقم الحكومي فهو يعين رئيس الوزراء وينهي مهامه حين يقدم استقالة حكومته، ويعين أعضاء الحكومة الآخرين بناءً على اقتراح رئيس الوزراء ويضع حدًا لمهامهم ويرأس مجلس الوزراء ويوقع المذكرات والمراسيم.
ويخول القانون رئيس الجمهورية طرح بعض مشاريع القوانين في استفتاء، وله سلطة نشر القوانين وهو المخول لحل الجمعية الوطنية ودعوة البرلمان لعقد دورة استثنائية، كما تعود له المبادرة في مراجعة الدستور وهي صلاحية يتقاسمها مع البرلمان.
ويضمن الرئيس استقلال السلطة القضائية ويرأس مجلس القضاء الأعلى كما يتمتع بحق إصدار العفو، ويتمتع بحصانة مؤقتة خلال ولايته وهو غير مسؤول عن تصرفات وقعت ضمن ممارسة مهامه.
3-اختصاصات رئيس الجمهورية في النظام شبه الرئاسي:
-تعيين الوزير الأول وإقالته في حالة تقدم باستقالته، أما أعضاء الحكومة فلا يملك تجاههم أية سلطة، فليس له حق تعيينهم أو إعفائهم، ويُجبر رئيس الحكومة على الاستقالة عن طريق رفض التوقيع على المراسيم المعروضة عليه، أو عن طريق حث الجمعية الوطنية بصورة غير مباشرة على إسقاط الحكومة مقابل عدم حلها.
-يحق لرئيس الجمهورية عرض أي مشروع قانون على استفتاء شعبي سواء تعلق بتنظيم السلطات العامة أو معاهدة دولية، مثال ذلك الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة.
-حل الجمعية الوطنية بعد التشاور مع الوزير الأول ورؤساء المجالس وإجراء انتخابات جديدة في مدة لا تقل عن عشرين يومًا، وسلطة الحل هي سلطة تقديرية لرئيس الجمهورية لا يتقاسمها معه أية جهة.
-لرئيس الجمهورية وقف العمل بجميع المؤسسات العامة واتخاذ ما يراه صائبًا في حالة الطوارئ أو تهديد سلامة الوطن ويكون ذلك بإعلان حالة الاستثناء حيث يمارس دكتاتورية مؤقتة إلى حين عودة السير الطبيعي للمؤسسات. ولضمان عدم استبداد رئيس الجمهورية ينص الدستور على عدم جواز حل الجمعية الوطنية أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية فضلًا عن استمرار ممارسة البرلمان مهامه بقوة القانون.
-للرئيس مخاطبة البرلمان بواسطة رسائل تُتلى عليه ولا يمكن أن تكون موضوع مناقشة، كما يقوم بتعيين رئيس المجلس الدستوري وله صوت مرجح عند تساوي الأصوات.
4-اختصاصات الرئيس التي يباشرها مع الحكومة في النظام شبه الرئاسي:
يتعلق الأمر بمجموعة من الاختصاصات التي لا ينفرد الرئيس بممارستها لوحده، والتي يشترك فيها مع وزير آخر. ومفاد هذه المشاركة إبراز الطابع البرلماني للنظام السياسي الفرنسي حيث يقوم على مبدأ المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان فيكون هذا الأخير مساءلًا لها ومستجوبًا، الشيء الذي قد تترتب عليه مسؤوليتها المدنية.
-من حق الرئيس في أجل 15 يومًا من إرساء قانون أن يطلب من البرلمان إعادة النظر فيه.
-من حق الرئيس دعوة البرلمان للانعقاد خارج دورتيه العاديتين للنظر في جدول أعمال محدد، ولا يحق له اقتراح تعديل الدستور إلا باجتماع مجلسي البرلمان في مؤتمر وموافقتهما على مشروع التعديل.
-إقالة أعضاء الحكومة لا يتم إلا بتوقيع مشترك بين الرئيس ورئيس الوزراء.
-في الوظائف العسكرية، نفرق بين ثلاثة أنواع من الموظفين: فئة يعينها الرئيس بعد الاجتماع بمجلس الوزراء ومصادقته على التعيينات، فئة ثانية تعين بمقتضى مرسوم جمهوري دون تدخل مجلس الوزراء، فئة يمكن تفويض تعيينها لرئيس الوزراء.
-توقيع المراسيم واللوائح التي يتداولها مجلس الوزراء، ومن حقه رفض التوقيع على أي نص تنظيمي.
-تعيين السفراء وممثلي السياسة الخارجية وإبرام المواثيق الدولية إلا تلك التي تحمل خزينة الدولة مبالغ هامة أو تقتضي التنازل عن جزء من التراب الوطني فلا تتم إلا بموجب قانون، فالسياسة الخارجية والدفاع الوطني محفوظة لرئيس الجمهورية.
ثانيًا: الحكومة في النظام شبه الرئاسي الفرنسي:
تحدد الحكومة وتدبر السياسة العامة للدولة وتكون مسؤولة أمام البرلمان وأمام رئيس الجمهورية، وتُسند مهمة إدارة شؤونها للوزير الأول، وهو المسؤول عن الدفاع الوطني والضامن لتنفيذ القوانين ويصدر اللوائح التنظيمية، ويعين الموظفين في الوظائف المدنية والعسكرية ويفوض بعض اختصاصاته للوزراء.
تتكون الحكومة من الوزير الأول والوزراء الذين يعملون على توجيه السياسة الوطنية وتحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية ومصلحة الأمة. ولا يجوز حسب النظام الفرنسي الجمع بين عضوية الحكومة والبرلمان، أو أي تمثيل مهني، أو أي وظيفة عمومية أخرى. ويعمل هذا الفصل من أجل وضع حد لتنافس أعضاء البرلمان من أجل الوصول للمناصب الوزارية، مما يتحقق معه نوع من الاستقرار الوزاري. والحكومة في النظام الفرنسي وحدة متجانسة ومتضامنة، ويُسمى "مجلسًا وزاريًا" حين يترأسه رئيس الجمهورية ويُسمى "مجلس حكومة" حين يترأسه رئيس الوزراء.
1-اختصاصات الحكومة في النظام شبه الرئاسي (الحكومة الفرنسية):
تقوم بوضع تصورات شاملة للتوجهات العامة في كافة المجالات في البلاد، وتدير الدفاع الوطني وتدير مختلف المرافق العمومية، وتساهم في صياغة القوانين عن طريق اقتراح مشاريع القوانين وتساهم في وضع جدول أعمال المجلسين (مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية)، وتقترح على الرئيس إجراء استفتاء شعبي على أمر اقتصادي أو اجتماعي كما يمكنها إعلان الحرب بعد مصادقة البرلمان، كما يمكنها إعلان حالة الطوارئ وتطبيق الأحكام العرفية آنذاك في حالة أزمة دولية أو اضطراب داخلي حيث تنتقل السلطة مباشرة إلى السلطة العسكرية، ولا يمكن تمديد هذه الفترة لأكثر من 12 يومًا إلا بموافقة البرلمان.
وهناك ثلاث اجتماعات حكومية: مجلس وزاري برئاسة رئيس الجمهورية، مجلس حكومي برئاسة الوزير الأول، ومجلس الوزراء حين يجتمعون لحل مشكلة من مشكلاتهم.
والحكومة لها صلاحيات تنظيمية وليست تشريعية، وكل ما لا يدخل ضمن اختصاصات السلطة التشريعية فهو من اختصاص السلطة التنفيذية. وتمارس الحكومة الصلاحيات التنظيمية عن طريق مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء وتحمل توقيعاتهم بما فيهم رئيس الوزراء، كما للحكومة صلاحيات استثنائية في حالة الطوارئ، وثنائية السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تجعل النظام الفرنسي نظامًا مزدوجًا برلمانيًا ورئاسيًا.
ورغم مظاهر النظام البرلماني العديدة في الدستور الفرنسي، إلا أنه رفض مبدأ ازدواجية الوظيفة لأعضاء الحكومة بأن يكونوا كذلك أعضاء في البرلمان، أو أي تمثيل وطني أو مهني أو تولي وظائف عمومية أو ممارسة نشاط مهني، وهذا يعني أنه يجب على أعضاء الحكومة أن يكتفوا بممارسة الوظيفة الحكومية دون غيرها مما سبق ذكره. والسبب في ذلك يعود إلى المهام العديدة المنوطة بهم والتي تتطلب تخصيص كل وقتهم وجهدهم لها من جهة، ومحاولة تطبيق الفصل بين السلطات التي نادى بها الرئيس السابق ديغول من جهة ثانية. ومع ذلك، يحق لعضو الحكومة أن يكون منتخبًا على المستوى المحلي.
فالحكومة بذلك تشكل جهازًا موحدًا ومتضامنًا، حتى لا نقول كيانًا سياسيًا وقانونيًا متضامنًا، وهي تضم إلى جانب الوزير الأول غالبًا وزراء دولة ووزراء مفوضين لدى جهات أو مكلفين بمهام معينة.
2-اختصاصات رئيس الوزراء في النظام شبه الرئاسي:
الوزير الأول في النظام الفرنسي وفقًا للمادة 21 من الدستور الفرنسي يتولى قيادة العمل الحكومي وهو مسؤول عن الدفاع ويتولى ضمان تنفيذ القوانين مع مراعاة أحكام المادة 18. كما يمارس السلطة التنظيمية ويقوم بالتعيين في الوظائف المدنية والعسكرية، ويساعد رئيس الجمهورية في رئاسة المجلس واللجان المحددة في المادة 15 وفي رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء بتفويض صريح ولجدول أعمال محدد.
ووفقًا للمادة 21، فإن الوزير الأول بالتالي يقوم بما يلي على وجه الخصوص:
-توجيه التعليمات للوزراء وتنسيق أعمالهم سواء تعلق الأمر بإعداد مشاريع أو برامج أو تنفيذها أو تنسيق النشاطات المختلفة لإنجاز العمل الحكومي بما يتماشى مع توجيهات رئيس الجمهورية.
-رئاسة الدفاع على أن تكون نشاطاته متكاملة مع رئيس الجمهورية الذي يترأس القوات المسلحة.
-تنفيذ القوانين: فإذا كان رئيس الجمهورية هو الذي يتولى إمضاء القوانين والمراسيم والأوامر في اجتماع مجلس الوزراء، فإن هناك نوعًا آخر من القوانين ظهر في ظل الدستور وهي مراسيم تنظيمية يتخذها رئيس الجمهورية خارج اجتماع مجلس الوزراء. وخارج هذا الاختصاص، فرئيس الحكومة هو من يمارس السلطة التنظيمية، وهو ما ينطبق على التعيينات في الوظائف العسكرية والمدنية، فكل ما تم داخل مجلس الوزراء يكون من اختصاص رئيس الجمهورية وما سواه يتولاه الوزير الأول.
كما يساعد الوزير الأول رئيس الجمهورية في رئاسة اللجان الدفاعية التي يترأسها، وقد يرأس مجلس الوزراء إذا تعذر ذلك على رئيس الجمهورية بشرط أن يكون مفوضًا بذلك ووجود جدول أعمال من جهة أخرى. وفي سبيل السير الحسن، فإن الدستور وضع تحت تصرف الوزير الأول وسائل لذلك وهي:
=اللجان الحكومية: وتضم عددًا محدودًا من الوزراء لدراسة وضع السياسة الحكومية قيد التنفيذ، وهي على نوعين دائمة ومؤقتة منظمة بموجب مراسيم.
=ديوان رئيس الحكومة: ويضم أقرب مساعديه المباشرين والأمانة العامة للحكومة التي تتولى المهام الإدارية دون السياسية.
=اللجان المتخصصة: وهي أجهزة ووسائل في يد الوزير تساعده على أداء مهامه.
هكذا يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية عن طريق إصدار المراسيم ويقوم بالمهام الموكلة إليه حكوميًا كما يقترح على رئيس الجمهورية إقالة أو تعيين أحد أعضاء الحكومة، ويقوم بتعيين الموظفين في الوظائف المدنية والعسكرية إلا التي تعتبر حكرًا على رئيس الجمهورية، كما يقوم بتقديم توصيات لرئيس الجمهورية في وقت اتخاذ القرار، ويقوم بتقديم مشاريع القوانين إلى البرلمان باسم الحكومة، وله الحق وحده في طرح الثقة أمام الجمعية الوطنية ويتولى عرض دستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية.
ثالثًا: البرلمان في النظام شبه الرئاسي الفرنسي:
نشير أولًا إلى أن القيمة القانونية لكل من السلطة التنفيذية والتشريعية ليست بنفس الدرجة في النظام الفرنسي، بمعنى أن القواعد القانونية المخالفة والأقل درجة تظل في مرتبة أدنى، والقانون لا يمكن تعديله أو إلغاؤه إلا بنص تشريعي مساوٍ له في القوة. والقاعدة العامة أن القانون هو أسمى تعبير عن الإرادة العامة، و"الدستور الفرنسي ينص على أنه ليس هناك سلطة أعلى من سلطة القانون".
لكن مع دستور 1958 جاءت مفاهيم مغايرة للمفاهيم السابقة حيث أصبح الحديث ممكنًا عن تراجع سمو القانون، ومعناه العملي أن الحكومة أصبحت ذات ولاية على الكثير من المجالات كانت من اختصاصات البرلمان. هذا التطور أدى إلى تقلص دور البرلمان وهيمنته الدستورية وأصبح الرئيس مشاركًا في مجالات أساسية لم تكن معروفة قبل التعديل الدستوري لـ 1962. هذه التغيرات أملتها ظروف الحياة السياسية الفرنسية لما بعد سنة 1958. فالبرلمان في ظل الجمهورية الخامسة يتكون من مجلسين: الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، ويُنتخب الأول بالاقتراع المباشر والثاني بالاقتراع العام غير المباشر.
1-اختصاصات البرلمان في النظام شبه الرئاسي (البرلمان الفرنسي):
للبرلمان الفرنسي اختصاصات واسعة وفعلية خاصة منها في المجال التشريعي والمالي.
-الاختصاص التشريعي:
جاء نص المادة 34 من الدستور الفرنسي محددًا على سبيل الحصر الاختصاصات التشريعية، وهذا ما أكدته المادة 37 بقولها أن ما يخرج عن نطاق المادة 34 يدخل في مجال التنظيم الذي يمارسه رئيس الجمهورية أو الوزير الأول. وعليه، فهو يختص بالتشريع المتعلق بالقواعد الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وضماناتها، وكذلك وضع القواعد المتعلقة بالانتخابات والمؤسسات العمومية.
-الاختصاص الرقابي:
مما لا شك فيه أن البرلمانات تتمتع باختصاصات واسعة في مجال الرقابة، ونظرًا لطبيعتها السياسية واتساع نطاقها وأساليب ممارستها، فإنه يمكن القول بأنها تحتل المكانة الأولى أمام التشريع إذا ما توفرت ممارستها وضمانات ذلك. ومن المعلوم أنه للقيام بالمراقبة ينبغي توافر المعلومات وضمانات ممارسة تلك الرقابة ونجاعتها، وهي كثيرة منها وسائل الإعلام، وهي العرائض المقدمة من قبل المواطنين، والأسئلة المقدمة من طرف النواب، والأسئلة الشفوية مع المناقشة المطروحة على الوزراء.
ويمكن القول بأن اختصاصات البرلمان الفرنسي محددة واختصاصات الحكومة عامة هي كل ما عدا تخصصات البرلمان. ويقوم المجلس الدستوري بمهمة الرقابة على توزيع التخصصات بين السلطتين، والإقرار بعدم دستورية قانون معين، والحيلولة دون نشره وتطبيقه. اتبع النظام الفرنسي في مجال البرلمان نظام ازدواجية المجلسين وهما الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وهما يختلفان عن بعضهما في مجال التشكيل والاختصاص.
مجلسي البرلمان:
أ=الجمعية الوطنية:
وهي الغرفة الأولى، يتم انتخاب أعضائها على دورتين، ويمثلون فرنسا ومقاطعات المستعمرات ما وراء البحار والجالية الفرنسية بالخارج، تتكون من 577 نائبًا يتم انتخابهم بواسطة الاقتراع العام المباشر لمدة خمسة أعوام قابلة للتجديد إلا في حالة انقضاء الفصل التشريعي قبل موعده بواسطة حل البرلمان (المادة 24 من الدستور). وفي هذه الحالة لا يمكن اتخاذ قرار جديد بحل البرلمان في العام التالي على إجراء هذه الانتخابات، ويتم انتخاب النواب وفقًا لنظام التصويت بالأغلبية في جولتين.
ومن بين اختصاصات الجمعية الوطنية:
-الحقوق الوطنية للمواطنين والواجبات المفروضة عليهم.
-تحديد الجنح والمخالفات والعقوبات المقررة لها والعفو.
-الضرائب وطرق تحصيلها.
-إنشاء المؤسسات العامة.
-تأميم المشاريع ونقل الملكية من العام للخاص.
-التعليم.
-التنظيم العام للدفاع الوطني.
-نظام الملكية والحقوق العينية.
-الاستقلال الإداري والمالي للجماعات المحلية.
-القانون المالي وتحديد الموارد والمصاريف العامة للدولة.
ب=مجلس الشيوخ:
يُنتخب بالاقتراع غير المباشر وينتج عنه تمثيلية للمجالس البلدية والغرف المهنية والمقيمين بالخارج، ويُنتخب لمدة 3 سنوات مع تجديد جزئي كل ثلاث سنوات، وهو غير قابل للحل كما هو بالنسبة للجمعية الوطنية ويُنتخب بعد كل تجديد جزئي. ويتم اجتماع البرلمان بغرفتيه في دورتين عاديتين كل سنة (أكتوبر وأبريل)، ويمكن للبرلمان الانعقاد في دورة غير عادية بناءً على طلب من الوزير الأول أو بطلب من أغلبية الجمعية الوطنية لبحث جدول أعمال محدد.
عمل دستور 1958 على تأكيد قوة قواعد كثيرة منها عدم إمكانية الجمع بين عضوية البرلمان والحكومة والوظائف العمومية الأخرى لضمان استقلاليته البرلمانية في مواجهة الأجهزة الإدارية باستثناء الموظفين لمدة لا تتجاوز 6 أشهر، ونواب منطقة الألزاس واللورين، أساتذة التعليم العالي، وكذلك تنظيم قواعد المسؤولية البرلمانية وحماية البرلماني من التهديدات فلا يجوز اعتقاله أو القبض عليه أو محاكمته بسبب آرائه أو تصويته، وهي حصانة مطلقة طيلة عمله النيابي حماية من الملاحقات التعسفية التي قد تطاله.
2-العلاقة بين الحكومة والبرلمان في النظام شبه الرئاسي:
يملك رئيس الجمهورية الحق في دعوة البرلمان للانعقاد في دورات غير عادية كما هو الحال في فرنسا على أن يكون ذلك بحكم القانون ومرسوم قانوني، وللرئيس الفرنسي الحق في حل الجمعية الوطنية من خلال التشاور مع رئيس مجلس البرلمان، كما لرئيس السلطة التنفيذية حق الاعتراض على القوانين التي يصدرها البرلمان بموجب المادة 10. كما يحق لرئيس الجمهورية تجاوز البرلمان ومخاطبة الشعب مباشرة في مسائل التشريع، وبذلك يستطيع رئيس الجمهورية إصدار قانون دون عرضه على البرلمان.
كذلك يتم اختيار أعضاء الحكومة من طرف رئيس الجمهورية وهي لا تستطيع البقاء في الحكم إلا إذا ظلت تحظى بثقة الرئيس، وللرئيس حرية اختيار الوزراء كما يستطيع انتقاءهم من خارج البرلمان، كما أن الرئيس ملزم باختيار رئيس الوزراء الذي تتقبله الأغلبية البرلمانية. ورئيس الوزراء هو الرئيس الأول الأعلى للإدارة إذ يقوم بتعيين الموظفين في الوظائف المدنية والعسكرية بتفويض من الرئيس كما أنه لا يمكن لرئيس الجمهورية إنهاء مهمة رئيس الوزراء إلا بتقديم استقالته.
وليقع نوع من التعاون بين الحكومة والبرلمان فإنه من اللازم متابعة ومراقبة كل منهما أعمال الآخر، والجهاز التشريعي يحصل من الحكومة على الإيضاحات والشروحات الأساسية لطرق تسييره وإدارته للشؤون العامة عن طريق التصريحات أو الإعلانات الصادرة عن الحكومة أو عن طريق الأسئلة المطروحة على الحكومة في البرلمان وعن طريق المناقشات التي تتخلل جلساته.
-التصريحات والإعلانات التي تقدمها الحكومة خلال الجلسات: وهي ملزمة بها أمام الجمعية الوطنية المعرفة فحوى سياستها، بينما مجلس الشيوخ لا يملك هذه الصلاحية والحكومة غير مسؤولة أمامه.
-توجيه الأسئلة والاستجوابات: وقد جرى بذلك العرف الدستوري دون أي نص دستوري منذ الجمهورية الثالثة، وعضو الحكومة الموجه إليه السؤال الكتابي ملزم بالإجابة الكتابية عليه، خلال فترة شهر، ويُنشر في الجريدة الرسمية ويمكن تحويل السؤال إلى شفوي وتكون الإجابة عليه في الجلسات العلنية.
3-مسؤولية الحكومة أمام البرلمان في النظام شبه الرئاسي:
وهي منظمة وفق دستور 1958 عن طريق طلب الثقة أو الاقتراح بتوجيه اللوم للحكومة. فطلب الثقة يقوم الوزير الأول بتحريك ذلك أمام الجمعية الوطنية بعد المداولة في مجلس الوزراء عندما يتعلق الأمر بعرض برنامج الحكومة أو تقديم بيان الحكومة عن السياسة العامة للدولة أو الاقتراع على نص. وعدم موافقة الجمعية الوطنية على البرنامج الحكومي أو بيان السياسة العامة معناه أن الوزير الأول مجبر على وضع استقالته بين يدي رئيس الجمهورية. أما توجيه اللوم للحكومة فهي مسألة غير ممكنة إلا بتوفر 4 شروط:
-توقيع الاقتراح من 1/10 على الأقل من أعضاء الجمعية الوطنية.
-أن يتم الاقتراع خلال 48 ساعة من تاريخ إيداعه.
-لا تحسب الأصوات المؤيدة للاقتراح بلوم الحكومة إذا رفض الاقتراح.
-لا يمكن لموقعيه تقديم اقتراح جديد خلال نفس الدورة التشريعية باستثناء طرح الثقة.
رابعًا: السلطة القضائية في النظام شبه الرئاسي:
جاء في المادة 66 من الدستور الفرنسي أن "السلطة القضائية، حارسة الحرية الفردية". وتعتبر التجربة القضائية الفرنسية من أكثر التجارب نجاحًا وأقربها إلى تطبيق القانون حيث تتسم بالاستقلالية التامة والحرص الكبير على أداء الدور المنوط بها. وهي منظمة وفقًا لتمييز أساسي بين المحاكم القضائية المكلفة بتسوية النزاعات بين الأفراد من جهة، والمحاكم الإدارية للبت في النزاعات بين المواطنين والسلطات العامة من جهة أخرى.
ويمارس السلطة القضائية قضاة مستقلون يتمتعون بالحماية القانونية اللازمة، وتعتبر الأحكام القضائية النهائية أوامر تنفيذية صارمة يجب على الكل تنفيذها كل حسب اختصاصه ونطاق مسؤوليته. ونميز في القضاء الفرنسي بين ثلاثة أنواع من القضاء: القضاء المدني والقضاء الجنائي والقضاء الإداري. ولم يعد هنالك وجود للقضاء العسكري في فرنسا. وتتشكل الهيئات القضائية العليا من مجلس شورى الدولة ومحكمة النقض وديوان المحاسبة وهناك من يضيف المجلس الدستوري.
المحاكم المدنية: وهي المحاكم الخاصة بالقضايا المدنية وتنقسم إلى عدة اختصاصات وتتمثل في: محاكم الحق العام، والمحاكم المتخصصة: (المحكمة الابتدائية، والمحكمة التجارية، ومحكمة قضايا الضمان الاجتماعي ومجلس قضاة للحكم في الشؤون العمالية، الذي يحل النزاعات بين أصحاب العمل والعمال).
ثم المحاكم الجزائية التي تختص بالجرم بمستوياته الثلاثة:
المخالفات: التي تبت فيها محكمة الشرطة.
الجنح: التي تبت فيها محكمة الجنح.
الجرائم: التي تبت فيها محكمة الجنايات.
وهناك أخيرًا محكمة خاصة تبت في النزاعات المدنية والجزائية على حد سواء وهي محكمة الأطفال. وتبقى محكمة النقض أعلى هيئة قضائية، مكلفة بالنظر في الطعون المقدمة ضد الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف، بينما يحتل مجلس شورى الدولة قمة المحاكم الإدارية، وهو أعلى هيئة قضائية للفصل نهائيًا في قانونية الإجراءات الإدارية، كما يمثل أيضًا هيئة استشارية تقوم الحكومة باستشارتها فيما يتعلق بمشاريع القوانين وبعض مشاريع المراسيم.
الفقرة الثالثة: مزايا وعيوب للنظام شبه الرئاسي:
أولا: مزايا النظام شبه الرئاسي:
من حق الحكومة إصدار قرارات لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية على ذلك، والحق في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب ويمكن أن تشترط على مجلس الشعب الكيفية التي يجب أن يتم بها مناقشة هذه القضايا كأن تشترط أن يتم مناقشتها بدون تعديل ولا إضافة أو أن يتم التصويت عليها بـ "نعم" أو "لا".
هذا النظام يعطي لرئيس الجمهورية حق حل مجلس الشعب والمطالبة بانتخابات جديدة للمجلس بشرط ألا يسيء استخدام هذا الحق، بمعنى أنه لا يجب على رئيس الجمهورية المطالبة بانتخابات جديدة للمجلس أكثر من مرة واحدة في كل سنة.
ومن جهة أخرى، يمكن للجمعية الوطنية فصل رئيس الوزراء أو أي وزير آخر عن طريق سحب الثقة منهم، كما أن لرئيس الجمهورية الحق في فرض قانون الطوارئ والحق في استفتاء الشعب في قضايا يراها هامة ونتائج هذا الاستفتاء لها قوة القانون في الدولة.
المرجعية الدستورية في هذا النظام في يد مجلس دستوري، وكيفية اختيار هذا المجلس يختلف من دولة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، يتكون المجلس الدستوري في فرنسا من تسعة أعضاء يتم اختيارهم لمدة تسعة سنوات كالآتي: يختار رئيس الجمهورية ثلاث أعضاء، ويختار رئيس مجلس الشعب ثلاث أعضاء، ويختار رئيس مجلس الشيوخ ثلاث أعضاء.
ثانيا: عيوب النظام شبه الرئاسي:
المشكلة الأساسية التي تواجه هذا النظام هي عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذي يمثل مصالح البرلمان. وهذه المشكلة عرفت في السياسة الفرنسية بـ "مشكلة التعايش المزدوج" وهي الحالة التي يتم فيها اختيار رئيس الجمهورية من اتجاه فكري مناقض للاتجاه الذي يمثله رئيس الوزراء، كما حدث للرئيس الفرنسي السابق ميتران "الاشتراكي" عندما فرضت عليه الجمعية العمومية أن يختار السيد شيراك "اليميني الرأسمالي" ليكون رئيسًا للوزراء عام 1986. وعليه، فمن الواجب على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أن يتعاونا وأن يتوحدا لكي تنجح الحكومة وتحقق أهدافها.
إمكانية قيام رئيس الجمهورية بإساءة استخدام حقه في استفتاء الشعب كما هو سائد اليوم في كثير من الدول ذات النظام شبه الرئاسي، ولعل خير مثال على ذلك هو استخدام الرئيس المصري حسني مبارك لهذا القانون طيلة 30 سنة منذ أن تولى السلطة عام 1981.
من خلالما سبق يتضح لنا أن هذا النظام حاول التوفيق بين النظامين الرئاسي والبرلماني واعتمد لنفسه مميزات الهدف منها تحقيق البرامج الحكومية مع مراعاة رقابة رئيس الجمهورية. ولقد اتجهت العديد من الدول لتبنيه رغم صعوبة تطبيقه، لكن الكثير من هذه الأنظمة تحولت إلى شبه دكتاتوريات في ظل سلطة الرئيس الفعلية، وكثيرًا ما استعمل هذا النظام كغطاء للاستبداد والحكم الانفرادي.
المحور السادس: النظام الدستوري المغربي:
عرف المغرب أول دستور له سنة 1962، الذي أسس لنظام الملكية الدستورية. وقد عرف هذا الدستور عدة مراجعات سنوات 1970، 1972، 1992، 1996، ثم 2011. تعود فكرة الملكية الدستورية إلى عام 1908، زمن بيعة الملك عبد الحفيظ بهدف إشراك ممثلي الأمة في توجيه السياسة العامة إلى جانب السلطان. وبالرغم من فرض الحماية سنة 1912، إلا أن الفكرة ستأخذ مجراها في زمن الملك محمد الخامس. وهكذا تطورت الملكية الدستورية عبر أربع مراحل:
المرحلة الأولى (الإرهاصات): وتتمثل في محاولة النخبة استنهاض الأمة لمواجهة الغزو الاستعماري الفرنسي قبل سقوط المغرب في الحماية الفرنسية سنة 1912.
المرحلة الثانية (المخاض): امتدت من 1912 إلى 1962.
المرحلة الثالثة (الإرساء): من 1962 إلى 1992.
المرحلة الرابعة (التبلور): بدأت منذ 1992.
الفقرة الأولى: الجذور التاريخية للملكية الدستورية بالمغرب:
أولاً: مجلس الأعيان:
شكل الملك عبد العزيز سنة 1905 مجلس الأعيان لمواجهة الضغط الاستعماري، وضم 15 عضواً كلفهم بالمفاوضات مع الوفد الفرنسي بشأن الإصلاحات التي كانت تنوي فرنسا إدخالها على المغرب. واعتبر علال الفاسي مجلس الأعيان نواة صالحة للتطور الدستوري المنشود.
ثانياً: المطالب الدستورية لنخبة 1908:
أدركت النخبة الوطنية أنه لا يمكن مواجهة الاستعمار إلا بيد واحدة بين المجتمع والدولة، والذي لا يمكن تحققه إلا بإقرار مبدأ سيادة الأمة والشورى، بمعنى إعادة بناء السلطة على أساس عصري عوض بناء السلطة على أساس الحكم الفردي المطلق.
وهكذا، طالب محررو بيعة السلطان عبد الحفيظ سنة 1908 بإخراج المستعمر من المغرب، ثم على المستوى الداخلي إحياء الشورى وفصل القضاء عن السلطة الإدارية. واعتبرها علال الفاسي عقداً اجتماعياً بين الملك والشعب، بهدف إخراج المغرب من الملكية المطلقة والحكم المطلق إلى ملكية دستورية. فلم يعد من حق الملك إبرام أية عهود، سواء تجارية أو مدنية، إلا بالرجوع إلى الشعب والمصادقة عليه.
ثالثاً: المذكرات الدستورية:
عرفت الثورة الحفيظية، إلى جانب البيعة المشروطة، عدة مذكرات دستورية، بعضها رفع إلى السلطان وبعضها تم تداوله بشكل محدود. وأهم هذه المشاريع مشروع "لسان المغرب" وغيره. وتجمع كلها على ارتباط السيادة الوطنية وإصلاح جهاز الدولة عن طريق تبني دستور جديد. ولكن وإن لم تطالب البيعة الحفيظية السلطان عبد الحفيظ بإصدار دستور للبلاد، فإن "لسان العرب" طرح في ديباجته التحرر من المستعمر الفرنسي ومنح الأمة دستوراً ومجلس نواب.
رابعاً: المطالبة بالاستقلال ومطلب الدستور:
كان حزب الاستقلال أول من طالب في عريضته المشهورة "بيان الاستقلال" بربط السيادة والدستور لإحداث نظام سياسي شوري. وقد كان محمد حسن الوزاني سباقاً للمطالبة بالدستور، لأن المشكلة المغربية لها حل خارجي وهو الاستقلال، وحل داخلي وهو الدستور والديمقراطية.
غير أن ملابسات النضال الوطني ضد الحماية سترجئ المشكل الدستوري لما بعد الاستقلال، حيث ستمتد هذه المرحلة إلى غاية 1962 التي ستعرف تأسيس المجلس الوطني الاستشاري ثم مجلس الدستور.
خامساً: المجلس الوطني الاستشاري:
وهو مجلس لا يملك أي سلطة تشريعية أو تنفيذية، ويضم 76 عضواً يمثلون مختلف الهيئات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد تم تشكيله بناءً على ظهير ملكي سنة 1956، إلا أن مهمته أنهيت في 1959. وقد مارس فقط نوعاً من المراقبة على الحكومة وقدم توصيات لها.
سادساً: مجلس الدستور:
بعد انسداد الآفاق أمام المجلس الوطني الاستشاري، تم تشكيل مجلس الدستور سنة 1960 وكلف بإعداد دستور للبلاد. وضم 78 عضواً معينين من طرف الملك، غير أن عمره لم يطل بسبب خلافات داخلية ووفاة المرحوم محمد الخامس سنة 1961.
سابعاً: العهد الملكي:
في خطاب الملك محمد الخامس سنة 1958، بعد استقالة حكومة أحمد بلافريج، حدد فيه خطوات بناء الصرح الديمقراطي للمغرب، وهو الانتقال من الجهاد الأصغر (الاستقلال) إلى الجهاد الأكبر (البناء الديمقراطي). وقد قرر سيادة الشعب وفصل السلطات وتأسيس نظام ديمقراطي ومشاركة المؤسسات الدستورية في السلطة التشريعية.
ثامناً: القانون الأساسي للمملكة:
وقد صدر بعد وفاة المغفور له محمد الخامس في عهد الملك الحسن الثاني. وقد كان مقدمة دستور 1962 حيث نص على أن المغرب يسير في طريق بناء الملكية الدستورية. وكان دستور 14/12/1962 بداية دخول المغرب مرحلة جديدة من بناء الملكية الدستورية، غير أن حالة الطوارئ سنة 1965، حيث تم حل البرلمان، أجلت هذه التجربة عدة سنوات. ورغم صدور دستورين سنة 1970 و 1972، فإن الاستمرارية هي التي حكمت هذه الدساتير.
غير أن المراجعة الدستورية سنتي 1992 و 1996 شكلت إجماعاً وطنياً غيرت من الملامح العامة للنظام السياسي المغربي، ليطرح التساؤل: هل سيتحول إلى نظام جمهوري أم إلى نظام ملكي برلماني؟
الفقرة الثانية: تبلور الملكية الدستورية:
تميزت هذه المرحلة بإرساء الملكية الدستورية بالمغرب، وذلك بإصدار دستور للبلاد من طرف الملك وطرحه على الاستفتاء الشعبي الذي استجاب له بنسبة 84 في المائة، الشيء الذي أضاف شرعية جديدة إلى الشرعية التاريخية والدينية وتبني تقنيات حديثة فيما يخص هيكلة السلطة التنفيذية والتشريعية وإحداث رقابة دستورية. إلا أن المؤسسة الملكية عرفت سمواً متزايداً بالنظر إلى باقي المؤسسات الدستورية من حكومة وبرلمان ورقابة دستورية.
أولاً: مؤسسة الملك في النظام الدستوري المغربي:
بناءً على الفصل 19 الذي يحدد منطق القانون الدستوري المغربي، حيث نص على أن الملك أمير المؤمنين ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، وحامي حمى الملة والدين، والساهر على احترام الدستور وصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات، واستقلال البلاد وحوزة المملكة، والممثل الأسمى للأمة. فلا استقلالية ولا تقسيم للسلط على هذا المستوى، لأن الملك هو منبع السلطة.
سلطة الملك العادية:
الملك له السلطة التنفيذية، فهو من يعين الحكومة ويقيلها، وهي تابعة له ولا وجود للمسؤولية الوزارية، لأن البرلمان يناقش فقط البرنامج الحكومي ولا صلاحية له في التصويت بالثقة على برامجها.
وقد أخذ دستور 1962 بنظام الغرفتين، ثم ألغاه دستور 1972. وللملك ضمن سلطاته التشريعية أن يفتتح أشغال البرلمان في دورتيه الخريفية والربيعية، ويوجه خطاباً توجيهياً للبرلمان، وهي خطبة لا تناقش بتاتاً ولا تطرح للتصويت داخل البرلمان. ويمكن للملك حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، وللملك حق استفتاء الشعب مباشرة. كما أن الملك يعين رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس المحكمة العليا للعدل، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء.
صلاحيات الملك الاستثنائية:
وهي الصلاحيات المرتبطة بإعلان حالة الاستثناء، فيتخذ ما يراه الملك مناسباً وتتوقف المؤسسات الدستورية عن العمل مؤقتاً ريثما تزول حالة الطوارئ.
ثانياً: الحكومة في النظام الدستوري المغربي:
هي حكومة صاحب الجلالة، وهي المسؤولة أمامه وليس أمام البرلمان، وهو من يملك حق سحب الثقة من الحكومة وليس البرلمان. فمصدر السلطة ليس البرلمان باعتباره ممثل الشعب، بل مصدر السلطة هو الملك فهو من يعينها وهو الذي يقيلها أفراداً وحكومة. فلا وجود لرئيس الوزراء بل هو الوزير الأول فقط.
وبهذه الصفة تتمتع الحكومة بصلاحية اقتراح مشاريع القوانين على البرلمان، لكن العلاقة حسب دستور 1972 تتميز بعدم التوازن. فالحكومة يمكنها أن تدفع بعدم قبول مشروع قانون بينما لا يمكن ذلك لمجلس النواب. ويمكن تجاوز مجلس النواب إذا رفض مشروع القانون وعرضه على مجلس المستشارين وإقراره في نهاية الأمر، ثم يظل الأمر نهائياً في يد الملك. والواقع أن الحكومة هي المشرع العادي في ظل دستور 1962، بينما كان البرلمان مشرعاً استثنائياً.
ثالثاً: البرلمان في النظام الدستوري المغربي:
ويضم غرفتين، الأولى مجلس النواب وينتخب بالاقتراع العام المباشر، والثانية مجلس المستشارين وينتخب بطريقة غير مباشرة. ورغم أن صلاحياتهما متماثلة حسب دستور 1962، لكن هذا الدستور كرس سلطة الملك وتبعية كل المؤسسات له لأنه مصدر كل السلط.
الفقرة الثالثة: الملكية الدستورية، الإجماع قبل التوافق:
حصل دستور 1996 على إجماع وطني من خلال استجابة الملك لمطالب الكتلة الديمقراطية المتكونة من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي والتقدم والاشتراكية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث أضحت الملكية الدستورية خياراً لا رجعة فيه من جميع الأطراف السياسية وتولدت ثقافة التراضي.
أما على مستوى الدستور، فقد تم إقرار حقوق الإنسان وتوسعت سلطات البرلمان وأحدث المجلس الدستوري عوض الغرفة الدستورية، إلى جانب إحداث مجالس عليا للاقتصاد والتعليم والدفاع والإعلام والأمن، يعين الملك أغلب رؤسائها.
أولاً: الملك:
احتفظ الملك في دستور ما بعد 1996 بما أثبتته الدساتير السابقة، حيث لم تنقص من صلاحياته شيء.
ثانياً: الحكومة:
الملك يعين الوزير الأول وباقي الوزراء باقتراح من الوزير الأول، وللملك أن يعفيهم من مهامهم ويعفي الحكومة أيضاً. ولم يكن الملك ملزماً بتعيين الوزير الأول من الحزب الفائز، بل يعينه باختياره الشخصي من أي طيف سياسي. والحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان، ويلزم الحكومة كسب ثقة البرلمان ومجلس النواب له الحق في التصويت على البرنامج الحكومي. فمسؤولية الحكومة أصبحت مزدوجة أمام الملك وأمام مجلس النواب.
ثالثاً: البرلمان:
تعديل 1996 بنظام الغرفتين بنفس الصلاحيات، وأعطاه الحق في إنشاء لجان تقصي الحقائق وجمع المعلومات حول واقعة معينة وإطلاع المجلس على النتائج، وإعلان الحقوق الفردية والجماعية.
علاقات الحكومة بالبرلمان في النظام الدستوري المغربي: لم تحدث أي تغييرات مهمة على علاقة الحكومة بالبرلمان على مستوى توازن السلط، إلا فيما يتعلق بمسؤولية الحكومة أمام البرلمان ومسؤولية الوزير الأول على تنفيذ القوانين. وعلاقة الحكومة بالبرلمان هي التي تبرز لنا مدى التوازن الحاصل بين السلطتين حيث يظهر سمو سلطة على أخرى.
رابعاً: الرقابة الدستورية في المغرب:
أحدثت سنة 1962 عن طريق الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى إلى جانب الغرف الأربع، غير أن الدستور حول الغرفة إلى مجلس دستوري. عرفت الغرفة الدستورية تطورات فيما يخص تشكيلها ولم تعرف أي تطورات فيما يخص صلاحياتها. ولم يقع أي تغيير في تشكيلتها في دستور 1972 ما عدا الزيادة في عدد أعضائها حيث زاد من 4 إلى 5. واختصاصاتها على نوعين قضائية واستشارية:
قضائية:
وهي الرقابة الدستورية والنظر في النزاعات الانتخابية، والبت في دستورية القوانين التنظيمية والتشريعية والنظام الداخلي للبرلمان، وصحة انتخاب أعضاء مجلس النواب، وصحة عمليات الاستفتاء، والبت في الخلافات بين الحكومة والبرلمان.
استشارية:
فتتجلى من خلال موافقة الغرفة الدستورية على تغيير قانون بمرسوم.
وهكذا، فالغرفة الدستورية تمارس رقابة قبلية وهي رقابة قضائية، ثم الرقابة الدستورية فلا يجوز إصدار أو تطبيق نص يخالف الدستور.
لكن دستور 1992 استبدل الغرفة الدستورية بجهاز مستقل قائم الذات وهو المجلس الدستوري.
المجلس الدستوري:
ورث هذا المجلس اختصاصات الغرفة الدستورية غير أن الجديد هو فيما يخص توسيع حق إحالة القوانين قبل تنفيذها وصلاحيات المجلس النظر في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء، ومراقبة القوانين وتمارس قبل إصدارها. فهي صلاحيات قضائية واستشارية. قضائية وهي منع صدور أي قانون يخالف الدستور، وقراراته لا تقبل الطعن وأحكامه نهائية تلزم كل السلطات العامة والجهات الإدارية والقضائية، وقضائية: وهي مراقبة القوانين ومراقبة سلامة الانتخابات والرقابة على القوانين. فهي ملزمة وقبلية فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية والقانون الداخلي للبرلمان.
الفقرة الرابعة: دستور 2011 الميزات الأساسية:
هو كسابقه لسنوات 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996، دستور مكتوب جامد، وضع عن طريق الاستفتاء الشعبي العام، ويحدد شكل المغرب في دولة بسيطة، ولا يعتبر ذلك منافياً لمبادئ اللامركزية الإدارية والجهوية المتقدمة واختصاصات السلطات المحلية المنتخبة مما يؤكد على الصفة الموحدة للدولة المغربية.
يؤكد دستور 2011 في تصديره على مبادئ أساسية وغير مسبوقة في الدساتير السابقة كخيار المغرب الذي لا رجعة فيه وهو بناء دولة ديمقراطية يسودها القانون والحقوق، وتقوية مؤسسات الدولة الحديثة مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة والمساواة وتكافؤ الفرص والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم. والتأكيد على الطابع الإسلامي للدولة وصيانة تنوع الهوية الإفريقية الأندلسية الأمازيغية العربية الصحراوية، والعزم على مواصلة العمل على تحقيق السلام العالمي والأمن في العالم والالتزام على بناء المغرب العربي، وتقوية العلاقات مع إفريقيا لا سيما الساحل، وربط العلاقات مع دول المتوسط، وتقوية العلاقات الثقافية والاقتصادية مع كل بلدان العالم، ومكافحة التمييز العنصري بسبب اللون أو الجنس، واحترام الاتفاقيات الدولية المصادق عليها. وأكد هذا التصدير أنه جزء لا يتجزأ من الدستور.
كما أكد على أن نظام الحكم في المغرب هو ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية اجتماعية قائمة على أساس فصل السلط وتعاونها والمواطنة التشاركية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة. وتبنى الدستور أيضاً مبدأ سيادة الأمة تمارسها عن طريق الاستفتاء العام وبصفة غير مباشرة عن طريق ممثليها بالاقتراع الحر النزيه.
وأهم ما ميز دستور 2011 هو اعتباره آلية تعاقدية لتحقيق تحول ديمقراطي للمغرب لأنه:
-دستور من الجيل الجديد.
-من صنع المغاربة.
-وفق مقاربة ديمقراطية إدماجية وشفافة.
-ميثاق حقيقي للحقوق والواجبات والمواطنة والحريات.
-المساواة بين الرجل والمرأة.
-سيادة الأمة.
-الفصل بين السلطات.
-الملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية الاجتماعية.
-الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة.
-حماية الحقوق والواجبات واحترام القانون.
-تعزيز الجهوية المتقدمة والموسعة.
-الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة وإرساء دولة الحق والقانون.
أولاً: رئيس الدولة: الملك في دستور 2011:
ينص الفصل الأول من دستور 2011 على أن نظام الحكم في المغرب هو نظام ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية، ورئيس الدولة هو الملك، ويتمتع بمجموعة كبيرة من الاختصاصات والسلطات الأساسية والتي يباشرها في الحالات العادية والاستثنائية.
وينص الفصل 23: "شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته" مما يترتب عنه قاعدة أساسية هي أن الملك غير مسؤول أمام البرلمان ولا يمكن للبرلمان أن يحاسبه، والحكومة وحدها من يمكن مسائلتها أمام البرلمان وأمام الرأي العام، فالملك لا يحاسب.
1-سلطات الملك في دستور 2011:
تنقسم الاختصاصات والمهام التي يقرها الدستور للملك إلى قسمين: الأولى التي يباشرها في الظروف العادية، والثانية التي يباشرها في الظروف الاستثنائية.
ومن أهم الأمور قاطبة في هذا المجال التمييز بين عهدين دستوريين: عهد أسست له دساتير 1962، 1970، 1972، 1992، 1996، وعهد جديد انبثق عن دستور يوليوز 2011.
2-اختصاصات الملك العادية في ظل دساتير ما قبل دستور 2011:
-رئيس الدولة: حيث يرأس المجلس الوزاري وهو قائد القوات المسلحة ورئيس العديد من المجالس العليا.
-يعين الوزير الأول وجميع أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول وله الحق أن يقيلهم من مناصبهم. ويعين في الوظائف العمومية والعسكرية ويعين السفراء وأعضاء المجلس الدستوري ورئيسه.
-في مجال القوانين: يوافق على القوانين وتنفيذها.
-حق العفو.
-في السياسة الخارجية: الملك يوقع المعاهدات الدولية ويصادق عليها.
-تشريعياً: يخاطب الأمة ويخاطب البرلمان بشقيه ولا يمكن للبرلمان مناقشة خطابه.
-الحق في حل مجلس النواب أو مجلس المستشارين.
-يفتتح الدورات البرلمانية.
-يمكنه أن يطلب من البرلمان إعادة النظر في قانون صادر عنه ولا يمكن أن ترفض.
-من حقه الاحتكام إلى الأمة مباشرة باستفتاء دون موافقة البرلمان بمقتضى ظهير.
-يمارس الملك سلطاته بمقتضى ظهائر شريفة توقع بالعطف من طرف الوزير الأول، ومعناه كل هذا أن كل الاختصاصات غير المعهود بها لرئيس الحكومة والحكومة والبرلمان هي من اختصاص الملك.
-تمت إضافة السلطة التنظيمية إلى الوزير الأول في دستور 1996 وتوقع بالعطف من الوزراء المكلفين بتطبيقها.
3-الاختصاصات الاستثنائية للملك في ظل دساتير ما قبل دستور 2011:
في حال خطر يهدد الدولة أو المؤسسات الدستورية، يعلن الملك حالة الاستثناء بظهير شريف ويوجه خطاباً للأمة ويتخذ بذلك جميع الصلاحيات والإجراءات للدفاع عن الوطن ولا يحل البرلمان. فتتوقف المؤسسات الدستورية وتعطى للملك سلطات واسعة وذلك بشرطين: الدفاع عن الوطن، وإرجاع السير العادي للمؤسسات الدستورية.
ولاية العهد ومجلس الوصاية في دستور 2011: يؤكد دستور 1996 أن عرش المغرب ينتقل بالوراثة وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الأكبر سناً من أبناء الحسن الثاني ثم إلى أقربائه الذكور إن لم يكن ابن للملك. ويكون ولي العهد بالغ سن الرشد في سن 16 سنة. وفي حالة عدم بلوغه سنة 16، يمارس مجلس الوصاية اختصاصات العرش وحقوقه الدستورية باستثناء مراجعة الدستور. وهو هيئة استشارية تعمل بجانب الملك حتى يدرك سن 20 سنة، ويتكون من الرئيس الأول للمجلس الأعلى ومن رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المجلس العلمي لمدينة الرباط وسلا وعشر شخصيات يعينهم الملك. ويحق لهذا المجلس ممارسة مهام الملك ويرأسه أقرب أقرباء الملك من جهة الذكور، وتم نقله بعد 1980 إلى رئيس المجلس الأعلى.
4-اختصاصات الملك في ظل دستور 2011:
أكد دستور 2011 على الفصل بين السلط في إطار ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية، ملكية مواطنة ضامنة لأسس الأمة وتزاول مهام سيادية وتحكيمية:
-حذف قداسة الملك وتعويض ذلك بأن الملك لا تنتهك حرمته وله واجب التوقير والاحترام.
-التميز الواضح بين سلطات الملك باعتباره أمير المؤمنين يمارس الشؤون الدينية (الفصل 41) وبين رئيس الدولة وممثلها الأسمى. وعليه، فقد تم تقسيم الفصل 19 من دستور 96 إلى جزأين وهما الفصل 41 و 42: فالفصل 41 يؤطر صلاحيات الملك الدينية باعتباره أمير المؤمنين ورئيس المجلس العلمي حيث تم الارتقاء به إلى مؤسسة دستورية.
أما الفصل 42 فيحدد الصلاحيات الدستورية للملك الذي يعلو فوق كل انتماء ويمارس المهام السيادية والضمانية والتحكيمية الواردة في هذا الفصل. هذه الاختصاصات ذات الطبيعة السياسية تمارس في حدود فصول الدستور بمقتضى ظهائر، هذه الظهائر متصلة بالصلاحيات الدينية وتعيين مجلس الوصاية ورئيس الحكومة والوزراء وإعفائهم وحل البرلمان أو أحد مجلسيه وتعيين القضاة وإعلان حالة الطوارئ وتعيين ستة أعضاء من المحكمة الدستورية وعرض مشروع مراجعة الدستور. وعليه فدستور 2011 يقيم هندسة جديدة للاختصاصات الملكية وفق التصور التالي:
-اختصاصات دينية متصلة بإمارة المؤمنين.
-اختصاصات سياسية متعلقة بالمجال
-اختصاصات تحكيمية.
-اختصاصات توجيه الاستراتيجية السياسية وقضايا الأمن والخارجية. أما الصلاحيات الاستثنائية فقد تبنى دستور 2011 نفس مفاهيم الدساتير السابقة. أما مجلس الوصاية فيرأسه رئيس المحكمة الدستورية ويتكون بالإضافة إلى ذلك من رئيس مجلسي البرلمان ورئيس المجلس الأعلى للقضاء والأمين العام للمجلس العلمي وعشر شخصيات يعينهم الملك.
ثانياً: البرلمان في دستور 2011:
نميز بين عمله في دساتير ما قبل 2011 وفي ظل دستور 2011. ففي العهد السابق، ينص دستور 1996 على أن البرلمان يتكون من مجلسين، مجلس النواب ومجلس المستشارين، وأن أعضاءه يستمدون نيابتهم من الأمة وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه. وقد كان معمولاً بنفس الغرفتين في دستور 1962 وتوقف العمل بالغرفتين في دستور 1970 و 1972 ثم رجع العمل بهما في دستور 1996 ولمدة 5 سنوات بالنسبة لمجلس النواب و 9 سنوات لمجلس المستشارين.
أما الموقع الدستوري الجديد للمؤسسة التشريعية، فأهم ما يميزها هو أن المغرب أصبح له برلمان قوي ذو اختصاصات مدعمة يمارس وفقها السلطة التشريعية بالتصويت على القوانين ومراقبة الحكومة وتقييم سياستها العمومية، وقد خول للغرفة الأولى مكانة الصدارة الذي له الحق لوحده في وضع المسؤولية الحكومية على المحك. أما الغرفة الثانية المتكونة من 90 عضواً على الأقل و 120 على الأكثر، ذو طابع ترابي مع تمثيلية نقابية ومهنية.
وقد تقوى دور البرلمان في إرادة المشرع الدستوري من خلال تبني آليات ناجعة للمراقبة مع إضفاء طابع المرونة على شروط النصاب الضرورية لأعمالها: ملتمس الرقابة، لجان التقصي، الإحالة على المحكمة الدستورية، طلب عقد دورات استثنائية.
مجلس النواب المغربي:
وهم 395 عضواً يتم انتخابهم بالاقتراع العام المباشر لمدة 5 سنوات. ولا يمكن أن يترشح أصحاب الوظائف التالية: القضاة، العمال، الكتاب العامون للعمالات، الخلفاء للعمال، الباشوات، القواد، خلفاؤهم، شيوخ، مقدمون، عسكريون، درك، شرطة، قوات مساعدة. وحتى داخل أجل سنة من خروجهم من الخدمة، كما تتنافى صفة برلماني مع صفة عضو في المجلس الدستوري أو المجلس الاقتصادي أو الاجتماعي، كما لا يمكن الجمع بين عضوية المجلسين.
ويتم انتخاب رئيس مجلس النواب في بداية الفترة النيابية ثم في دورة أبريل للسنة الثالثة من تلك الفترة لما تبقى من ولاية المجلس. وعدد أعضاء مجلس النواب في انتخابات نونبر 2011 هو 395 عضواً، ويعقد جلساته في دورتين سنوياً ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى، وإذا استمرت جلسات مجلس النواب 4 أشهر على الأقل في كل دورة جاز ختم الدورة بمرسوم.
اختصاصات مجلس النواب:
-التصويت على القوانين.
-مراقبة الحكومة.
-تقييم السياسات العمومية.
-المصادقة على مراسيم الحكومة.
-قانون المالية.
-التقدم بمشاريع القوانين سواء من البرلمانيين أو رئيس الحكومة لدى مكتب مجلس النواب. يلاحظ أن هناك توازن بين سلطة الحكومة والبرلمان ويمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بعد استشارة الملك ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية.
مجلس المستشارين المغربي:
وفق دستور 1996 يتكون 3/5 منه تنتخبهم كل جهة، هيئة ناخبين تتألف من ممثلين عن الجماعات المحلية. ويتكون 2/5 من منتخبي الغرف المهنية، وأعضاء تنتخبهم وطنياً هيئة ناخبة تتألف من ممثلين للمأجورين. ومجموع أعضاء مجلس المستشارين 270 عضواً موزعون على الشكل التالي: 192 منتخب في كل جهة عن مجلس الجماعات الحضرية والقروية ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية، 81 منتخباً في كل جهة عن الغرف المهنية، 27 عضواً على الصعيد الوطني كمندوبين لمنشآت ومستخدمين في المنشآت المنجمية. ينتخبون لمدة 9 سنوات مع تجديد 1/3 كل ثلاث سنوات.
أما وفق دستور 2011 فعدد أعضائه يتراوحون بين 90 و 120 عضواً ينتخبون بالاقتراع غير المباشر لمدة 6 سنوات على أساس التوزيع التالي: 3/5 يمثلون الجماعات الترابية و 2/5 تنتخبهم في كل جهة هيئات ناخبة تتألف من المنتخبين في الغرف المهنية وفي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية.
الضمانات البرلمانية في دستور 2011:
ينص الفصل 64 من دستور 2011 على أنه لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا البحث عنه ولا القبض عليه ولا اعتقاله ولا محاكمته ما عدا إذا كان يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يخل بالاحترام الواجب للملك.
حاصل القول أن مجال عدم المسؤولية البرلمانية يقتصر على ما يبديه النواب من أفكار داخل المجلس ولجانه، حيث أن تلك الأفكار قد تكون موضوع مسائلته إذا تم الإدلاء بها خارج المجلس ولجانه وكانت تحتوي على ما يعاقب عليه قانوناً، فالبرلماني في هذه الحالة لا يستفيد من الحصانة البرلمانية.
اختصاصات البرلمان في دستور 2011:
يختص بالقانون بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة في الدستور بالتشريع في الميادين التالية: الحقوق والحريات، الأسرة، الصحة، الإعلام، العفو، الجنسية، الجرائم، المسطرة المدنية، المسطرة الجنائية، النظام العام للوظيفة العمومية، الضمانات الممنوحة للعسكريين، نظام الأمن، نظام الجماعات الترابية، نظام الانتخابات، النظام الضريبي، نظام الجمارك، الالتزامات والعقود، نظام التكنولوجيا، التعمير وإعداد التراب الوطني، تأميم المنشآت ونظام الخوصصة، إضافة إلى قوانين تؤطر الأهداف الأساسية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما تقتضي قواعد الديمقراطية جعل ممثلي الشعب طرفاً أساسياً في كل ما يتعلق بمالية الدولة من حيث مواردها ونفقاتها واستثماراتها، فالفصل 75 من دستور 2011 ينص على ما يلي: "يصدر قانون المالية الذي يودع بالأسبقية في مجلس النواب بالتصويت من قبل البرلمان وذلك طبقاً للشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي ويحدد هذا القانون التنظيمي طبيعة المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز النقاش البرلماني حول مشروع قانون المالية".
أما الاختصاصات السياسية للبرلمان فيمكن حصرها في مراقبة أعمال الحكومة الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى سحب الثقة منها وفق شروط وإجراءات محددة وتكون الحكومة في تلك الحالة ملزمة بتقديم استقالتها.
ثالثاً: تشكيل الحكومة في ظل دستور 2011:
كان الطابع الذي ميز الحكومة في الدساتير الخمسة الأولى هو أن الملك هو الذي يعين الوزير الأول والوزراء بأجمعهم باقتراح من الوزير الأول، ويعفيهم من مسؤولياتهم ويعفي الحكومة بكاملها وله كامل الصلاحيات في هذا الاتجاه. فالملك هو رئيس الجهاز التنفيذي أي أن الملك يحكم ويسود، ولا تشاركه في السلطة التنفيذية أية سلطة أخرى، ويعين الوزير الأول حتى من خارج الأحزاب السياسية وحتى من خارج الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية بمجرد ظهير ملكي شريف.
أما في دستور 2011 فيمكن الحديث نظرياً على الأقل عن عهد دستوري جديد تأمل فيه الحركات السياسية عن انبثاق سياسي جديد حيث يصبح الوزير الأول رئيساً فعلياً للحكومة وهذا ما نص عليه دستور 2011 حيث سار في نفس التصور فأعطى لرئيس الحكومة صلاحيات جديدة و يتم تعيينه من الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية أي أن السلطة التنفيذية أصبحت تجسيداً للإرادة العامة النابعة من رغبة الأمة بواسطة الاقتراع العام المباشر. والفصول من 87 إلى 94 تؤطر للسلطة التنفيذية: رئيس الحكومة أصبح القائد الحقيقي للفريق الحكومي مع وضع الإرادة رهن تصرفه وممارسته لسلطة تنفيذية حقيقية وصلاحيات واسعة في مجال التعيين في الوظائف المدنية، مجلس الحكومة فضاء حقيقي لتحديد سياسة الدولة وتنفيذها.
اختصاصات الحكومة:
في ظل الدساتير الخمسة ما قبل دستور 2011، كان الوزير الأول حجر الزاوية في الجهاز الحكومي بعد الملك واختصاصاته واسعة في إدارة العمل الحكومي، فهو الذي يمارس السلطة التنظيمية ويتحمل مسؤولية النشاطات الوزارية ويوقع الظهائر الشريفة ما عدا تلك المحددة في الفصل 29 التي تعتبر حكراً على الملك.
ولما كانت اختصاصاته متنوعة أجاز له الدستور تفويض بعض وزرائه ووضع تحت تصرفهم المصالح الإدارية تحقيقاً للسياسة العامة للدولة، ويبقى وزراء الدولة أسمى من الناحية البروتوكولية من الوزراء العاديين بينما لا خلاف بينهم دستورياً، كذلك يوجد وزراء بلا حقيبة فتوكل إليهم مهمة محددة داخل الحكومة ويعتبرون أعضاء في الحكومة تسري عليهم ما يسري على الوزراء ولهم الحق في حضور اجتماعات مجلس الوزراء ومجلس الحكومة والمساهمة بآرائهم وأصواتهم.
أما اختصاصات الحكومة فقد تم تقريرها في تنفيذ القوانين والإدارة موضوعة رهن إشارتهم كما يحق لها التقدم بمشاريع القوانين، ويمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية والحكومة لها واسع النظر في سياسة الدولة ومعالجة القضايا المتعلقة بها، بالنسبة لتنفيذ القوانين فهي المهمة الأولى للحكومة باعتبارها الجهاز التنفيذي، فهي تنفذ القانون وتطبيقه، كما تعتبر جهة إدارية من خلال تسيير المرافق الإدارية الوطنية والمصالح الخارجية والإدارة اللامركزية. كما يمكن للوزير الأول التقدم بمشاريع القوانين لدى البرلمان.
ويبقى الوزير يمارس وظيفته التنفيذية ما لم تتعارض مع قرارات الملك. وحسب دستور 1996 فإن المسائل التالية تحال على المجلس الوزاري: السياسة العامة للدولة، خاصة الحصار، إشهار الحرب، طلب الثقة من مجلس النواب، مشاريع القوانين، المراسيم التنظيمية، مشروع المخطط، مشروع مراجعة الدستور.
صلاحيات واختصاصات الحكومة في ظل دستور 2011:
وفق التصور الجديد، الحكومة تتألف من رئيسها والوزراء وكتاب الدولة. فبعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، هذا البرنامج يجب أن يحتوي على الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة تطبيقه، في مختلف المجالات.
وتعتبر الحكومة منصبة وفق الدستور الجديد بعد حصولها على ثقة مجلس النواب ولا يكفي تعيين الملك ويجب أن تحصل على تصويت الأغلبية المطلقة لصالح البرنامج الحكومي.
تمارس الحكومة السلطة التنفيذية وتعمل تحت رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين والإدارة موضوعة تحت تصرفها كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية.
يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء كما تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها.
ووسع الدستور الجديد من اختصاصات رئيس الحكومة عبر تخويله التعيين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية دون إخلال بأحكام الفصل 49 من الدستور، ويمكن له تفويض هذه السلطة.
توسيع اختصاصات السلطة التنفيذية همت أيضاً تخويل المجلس الحكومي حق التداول في المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري. ويتداول مجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة في القضايا والنصوص التالية:
السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري، السياسات العمومية، السياسات القطاعية، طلب الثقة من مجلس النواب قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤولياتها، القضايا الراهنة بحقوق الإنسان، مشاريع القوانين ومن بينها مشروع قانون المالية، مراسيم القوانين، مشاريع المراسيم التنظيمية، تعيين الكتاب العامين، تعيين مديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية، رؤساء الجامعات، مديري المؤسسات العمومية والمؤسسات العليا. وذلك بناءً على مبادئ تكافؤ الفرص والشفافية.
ويعتبر الوزراء مسؤولين على تطبيق السياسة الحكومية في كل القطاعات وفي إطار التضامن الحكومي، ويقومون بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك، كما يمكن للوزراء أن يفوضوا جزءاً من اختصاصاتهم إلى كتاب الدولة، وهم مسؤولون جنائياً أمام المحاكم عما يرتكبونه من جنايات أو جنح أثناء ممارسة مهامهم، ويمكن لرئيس الحكومة أن يحل مجلس النواب بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بعد استشارة الملك ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية.
مسؤولية الحكومة في النظام الدستوري المغربي:
تتفق الدساتير الخمسة على أن المسؤولية الحكومية مزدوجة فهي أمام الملك وأمام البرلمان، فيتقدم الوزير الأول ببرنامجه الحكومي أمام البرلمان بمجلسيه يتضمن الخطوط العريضة لما تنوي الحكومة عمله في المجالات السياسية والاقتصادية والخارجية وغيره، ويكون ذلك البرنامج موضوع نقاش أمام مجلس النواب والمستشارين ثم يتلو قراءة البرنامج ونقاشه التصويت عليه وفق الشروط المنصوص عليها دستورياً، ومن واقع التجربة أن تقدم الحكومة ببرنامج عمل وعرضه على البرلمان غير محدد بآجال ذلك أن تعيين الملك للوزراء وتنصيبهم هو الإجراء الدستوري والقانوني الذي يتوقف عليه تكوين الحكومة وشرعيتها فالملك وحده يقرر ما يراه مناسباً وموافقاً للبلاد. كما أن المسؤولية الحكومية تقع أيضاً أمام البرلمان وقد تسحب منها الثقة فتسقط الحكومة وتقدم استقالتها.