المسؤولية تعريفها وأقسامها

مقدمة:

لا يخلو عمل بشري من النقص، فالكمال المطلق صفة إلهية. أما المسؤولية، فهي تعبر عن التزام الفرد بتحمل تبعات أفعاله، وتتخذ أشكالا متنوعة تبعًا لطبيعة الفعل المرتكب. فعند مخالفة القانون، تبرز المسؤولية القانونية، بينما عند تجاوز الأعراف والقيم، نتحدث عن المسؤولية الأدبية.
إن غياب الشعور بالمسؤولية يمثل أحد أهم أسباب الإضطراب والفوضى في المجتمع. ولا يمكن تحقيق الإستقرار الإجتماعي المنشود إلا من خلال نظام مسؤولية مدنية قوي وفعال. فكلما كان الأفراد أكثر وعيا بمسؤوليتهم عن أفعالهم، تقلصت مظاهر الفوضى في المجتمع بشكل ملحوظ.
تعد المسؤولية المدنية أحد فروع القانون المدني، وتزداد أهميتها وتشعباتها تزامنا مع النمو الإقتصادي وتوسع نطاق التأمين. وهي تتحقق عندما يرتكب شخص ما خطأ ينتج عنه ضرر للغير، ليصبح ملزما قانونا بتعويض الطرف المتضرر عن ذلك الضرر.
في المجتمعات الحديثة، تعتبر المسؤولية المدنية بمثابة ضريبة حتمية للتطور الحضاري، فهي تجسد مبدأ المساءلة والمحاسبة عن أي سلوك يتعارض مع المعايير الإجتماعية المقبولة. وتنقسم المسؤولية بشكل عام إلى نوعين رئيسيين: واجبات قانونية وأخرى أدبية. وتنقسم المسؤولية القانونية بدورها إلى مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية.
أما المسؤولية المدنية، فتنشأ في إطارين أساسيين: إما نتيجة الإخلال بالتزام تعاقدي (المسؤولية العقدية)، أو بسبب فعل يلحق ضررًا بالآخرين دون وجود عقد مسبق (المسؤولية التقصيرية). وفي كلتا الحالتين، لا يمكن قيام المسؤولية المدنية إلا بتوافر ثلاثة عناصر جوهرية: وقوع الخطأ، تحقق الضرر، ووجود صلة مباشرة بين الخطأ والضرر.

المطلب الأول: تعريف المسؤولية وأسسها الشرعية والقانونية:

الفقرة الأولى: المسؤولية في اللغة:

في الإصطلاح القانوني الحديث، تعني المسؤولية لغة التبعة وتحملها. يقابلها في الفقه الإسلامي مفهوم "الضمان". يشير الضمان إلى تحمل الشخص لتبعات هلاك الشيء أو نقصانه أو تعيبه. كما يُطلق الضمان على الإلتزام المالي، حيث يصبح ذمة الضامن مشغولة بما ضمنه، وبالتالي يلتزم بأدائه. ومن معاني الضمان عند الفقهاء أيضًا "الإلتزام بتعويض مالي عن ضرر لحق بالغير"، وقد استُخدم هذا المصطلح بشكل واسع للدلالة على تحمل تبعة الهلاك، وهو المعنى المقصود في قاعدتي "الغرم بالغنم" و"الخراج بالضمان".

الفقرة الثانية: المسؤولية في الإصطلاح:

1-تُستخدم المسؤولية اصطلاحا للدلالة على معان متقاربة، تشمل:
2-المؤاخذة أو المحاسبة عن فعل أو سلوك محدد.
3-الجزاء الناتج عن الإخلال بواجب، أو فعل ما كان يجب الإمتناع عنه.
4-تحمل الشخص لنتائج تقصيره، أو تقصير من هم تحت رقابته وإشرافه.
ويمكن تقديم تعريف شامل لهذه المعاني على النحو التالي: التزام المسؤول، في إطار القانون، بتعويض الطرف المتضرر عن الضرر الذي لحق به نتيجة لتلف في ماله، أو ضياع منفعة، أو أي ضرر جسدي أو معنوي جزئي أو كلي.

الفقرة الثالثة: الأسس الشرعية والقانونية للمسؤولية:

تستمد المسؤولية مشروعيتها وأساسها من العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ومن أبرزها:
1-قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (سورة البقرة  الآية 193 ). 
2-وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ﴾ (سورة النحل الآية 126).
3-وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه".
4-وقوله صلى الله عليه وسلم أيضًا: "لا ضرر ولا ضرار".

المطلب الثاني: تصنيفات المسؤولية:

استنادًا إلى التعريف السابق للمسؤولية، وإلى درجة جسامة الضرر الناجم عن فعل الفرد وطبيعة الجزاء المترتب على ذلك الفعل، يمكن تقسيم المسؤولية بشكل أساسي إلى نوعين: المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية القانونية. بدورها، تنقسم المسؤولية القانونية إلى فرعين رئيسيين هما المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية.

الفقرة الأولى: المسؤولية الأخلاقية (الأدبية) والمسؤولية القانونية:

أولا: المسؤولية الأخلاقية:

تنشأ المسؤولية الأخلاقية نتيجة لمخالفة قواعد السلوك والأخلاق الحميدة. في هذا النوع من المسؤولية، يكون الشخص مسؤولًا أمام ضميره وأمام الله تعالى، ولا يترتب عليها أي جزاء قانوني ملزم. ولا يشترط لقيام المسؤولية الأخلاقية وقوع ضرر مادي أو ملموس على الغير، بل قد تتحقق بمجرد وجود نية سيئة أو تمني الشر للآخرين.

ثانيا: المسؤولية القانونية:

تتمثل المسؤولية القانونية في تحمل تبعات مخالفة واجب من الواجبات التي ينظمها القانون الإجتماعي، ويترتب على هذه المخالفة جزاء قانوني محدد. وتنقسم المسؤولية القانونية إلى قسمين رئيسيين:
1-المسؤولية الجنائية: تنشأ عن ارتكاب أفعال تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون بعقوبات جنائية (مثل السجن أو الغرامة).
2-المسؤولية المدنية: تنشأ عن الإخلال بالتزام قانوني أو ارتكاب فعل يسبب ضررا للغير، وتستوجب جبر هذا الضرر عن طريق التعويض.

ثالثا: الفروق بين المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية القانونية:

تتميز المسؤولية الأخلاقية عن المسؤولية القانونية في عدة جوانب أساسية:

1-من حيث النطاق:

تعتبر المسؤولية الأدبية أوسع شمولًا من المسؤولية القانونية. فهي تشمل علاقة الفرد بخالقه، وعلاقته بنفسه (فيما يتعلق بتهذيبها وتزكيتها)، وعلاقته بالآخرين. بينما تقتصر المسؤولية القانونية على تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم في المجتمع.

2- من حيث شروط التحقق:

تقوم المسؤولية الأدبية بمجرد وجود النية السيئة أو الإرادة المنحرفة، حتى لو لم يترتب عليها فعل مادي أو ضرر بالغير. في المقابل لا تتحقق المسؤولية القانونية بشكل عام إلا إذا نتج عن الفعل ضرر ملموس أو إخلال بحق محمي قانونا.

3-من حيث طبيعة الجزاء:

يكون الجزاء في المسؤولية الأدبية ذاتيا ومعنويا، ويتجلى في شعور الفرد بالذنب وتأنيب الضمير، بالإضافة إلى المساءلة أمام الله تعالى. أما الجزاء في المسؤولية القانونية فهو خارجي ومادي، يحدده القانون وتوقعه السلطات المختصة (مثل الغرامات المالية، أو العقوبات السالبة للحرية، أو التعويضات المدنية).

الفقرة الثانية: أقسام المسؤولية القانونية:

تنقسم المسؤولية القانونية إلى صنفين وهما:

أولا: المسؤولية الجنائية:

وتعني تحمل الشخص لتبعات أفعاله الجنائية المجرمة، بمقتضى نص في القانون كالقتل والسرقة وخيانة الأمانة، وهي تترتب على ارتكاب جريمة من الجرائم، وتؤدي إلى عقاب مرتكب هذه الجريمة.
والجرائم محددة بالقانون وفق مبدأ "لاجريمة ولاعقوبة إلا بنص".

ثانيا: المسؤولية المدنية:

ويراد بها إلزام المسؤول بأداء تعويض للطرف المضرور في الحالات التي تتوفر شروط هذه المسؤولية، فهي لاتحمل معنى الردع بقدر ما تفيد معنى جبر الضرر الذي تسبب فيه الشخص المسؤول.

ثالثا: الفرق بين المسؤلية الجنائية والمسؤولية المدنية:

تتميز المسؤولية الجنائية عن المسؤولية المدنية بمميزات أهمها:
1-في الدعوى الجنائية ليس للمضرور أن يتنازل عن الدعوى العمومية لأنها حق للمجتمع الذي تمثله النيابة العامة. في حين أن المضرور له كامل الحرية في التنازل عن مطالبه المدنية لتعلق ذلك بمصلحته الشخصية.
2-الجزاء المترتب عن الأفعال الجنائية يتمثل في العقوبات الصارمة كالسجن والمصادرة والغرامات، أما الجزاء المدني فينحصر في التعويض.
3-النية ركن في المسؤولية الجنائية، ويجب أن يكون لها مظهر خارجي لأن مجرد التصميم لا عقاب عليه، وقد يعاقب الشروع في التنفيذ.
وفي المسؤولية المدنية لا تشترط النية، وسواء كان العمل غير المشروع عمدا أو خطأ فإن الضرر الذي يحدثه يجب أن يعوض كاملا، وأكثر الأخطاء المدنية ترتكب عن طريق الإهمال لا العمد.
4-إذا نتج عن الفعل الواحد دعويان إحداهما جنائية والأخرى مدنية، كالضرب والجرح المتسبب في إلحاق الضرر بالمضرور، فإن هذا الأخير له الحق في رفع دعوى المطالب المدنية إلى المحكمة الزجرية في شكل دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية، والعكس غير ممكن، كما له الخيار في رفعها بطريقة مستقلة إلى المحكمة المدنية.
والعادة جرت برفع الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية لما تملكه هذه الأخيرة من إمكانيات لفض النزاع بسرعة.
5-إذا فضل المضرور إقامة دعوى المطالب المدنية بصورة مستقلة أمام القضاء المدني تعين على هذا الأخير ألا يفصل في تلك المطالب حتى يتم الفصل في الدعوى العمومية، إعمالا لقاعدة "الجنائي يعقل المدني".
6-تتقيد المحكمة المدنية بالحكم الصادر في الدعوى الجنائية من حيث ثبوت الوقائع أو نفيها لا من حيث تكييفها. فقد تحكم المحكمة الجنائية بالبراءة لعدم توفر القصد الجنائي، بينما لا يلزم هذا القصد في المسؤولية المدنية.
7-لكل من دعوى المسؤولية الجنائية ودعوى المسؤولية المدنية تقادما مستقلا، فحسب الفصل الرابع من قانون المسطرة الجنائية فإن الدعوى الجنائية تتقادم بمرور عشرين سنة من يوم اقتراف الجريمة بالنسبة للجنايات، وبخمس سنوات بالنسبة للجنح، وبسنتين بالنسبة للجنح الضبطية.
أما بالنسبة للدعاوي المدنية فإن تقادمها يختلف بحسب ما إذا كانت الدعوى عقدية أو تقصيرية وفقا للفصلين 106 و387 من قانون الإلتزامات والعقود.

المطلب الثالث: المسؤولية المدنية أقسامها وتطورها:

إذا ما أصيب شخص بضرر مادي في جسمه أو ماله، أو معنوي في شعوره، يثار التساؤل حول من يتحمل المسؤولية، هل يتحملها هو، أم يتحملها الغير فيطالبه بالتعويض
وحدها المسؤولية المدنية هي الكفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، وتحديد الشروط الواجب توافرها لقيام مسؤولية الغير.
وقد تطورت هذ المسؤولية عبر مراحل تاريخية، وتنقسم إلى قسمين: المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية.

الفقرة الأولى: تطور المسؤولية المدنية:

إن ما وصلت إليه المسؤولية المدنية من تطور في الوقت الحاضر في مختلف الأنظمة القانونية المعاصرة لم يأت دفعة واحدة بل ترسخ عبر مراحل تاريخية متتالية.
تميزت المرحلة الأولى بارتباط المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجنائية واختلاطهما، فكان جزاء الفعل الضار متروكا للمضرور يثأر بنفسه ممن أوقع به الضرر دون ضوابط الثأر، مما يؤدي إلى نزاع بين العشائر، فساد في القانون الروماني مبدأ العين بالعين، والأنف بالأنف.
وفي مرحلة ثانية كانت المسؤولية المدنية لا تترتب إلا على الأفعال الضارة المنصوص عليها في القانون، دون النظر فيما إذا كانت تتضمن خطأ من جانب مرتكبيها أم لا.
وفي مرحلة ثالثة: تأكد اعتبار الخطأ أساسا للمسؤولية، بحيث لا يعتبر الفعل الضار سببا في مسؤولية مرتكبيه إلا أذا أمكن وصفه بأنه خطأ من جانب المسؤول.
وفي المرحلة الرابعة: تبين عدم كفاية الخطا كمعيار وضابط للمسؤولية المدنية خصوصا بعد انتشار استعمال الآلات، وكثرة مخاطرها وتعذر تحديد مصدر الخطأ بين مالكها وصانعها ومستخدمها.
فظهر اتجاهان فقهيان:
الاتجاه الأول: ويرى أصحابه أن من تسبب في الضرر بنشاط يجني ثماره فيجب أن يتحمل تبعته بغض النظر عن وجود الخطأ، بناء على قاعدة الغرم بالغنم، وأن أساس المسؤولية هو تحمل التبعة، فنادوا بالتحول من فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية إلى فكرة الخطر "Risque".
الاتجاه الثاني: وأصحابه يتشبثون بفكرة الخطأ كأساس للمسؤولية ويعارضون الاتجاه الأول، ويرون أن فكرة تحمل التبعة تضع عوائق للإنتاج والنشاط الاقتصادي خوفا من المسؤولية، وهذا يشل روح المبادرة ويضع عقبات في سبيل النمو والتقدم.
والقانون المغربي يقوم على اعتبار الخطأ أساسا للمسؤولية، وإن كان قد افترض خطأ المسؤول عن فعل الغير، وفي المسؤولية عن الحيوان والأشياء.

الفقرة الثانية: أقسام المسؤولية المدنية وتعريفها:

أولا: تعريف المسؤولية المدنية:

المسؤولية المدنية هي جزاء الإخلال بالتزام سابق يترتب عنها تعويض عن الضرر الناجم عن إخلال المسؤول بهذا الالتزام.
فإذا كان مصدر هذا الالتزام الإرادة، فالمسؤولية المتولدة عنه عقدية، وإذا كان مصدره القانون فالمسؤولية المتولدة عنه تقصيرية.
وعلى الرغم من مناصرة فريق من الفقهاء لوحدة المسؤولية المدنية، إلا أن معظم التشريعات المعاصرة أخذت بازدواجية المسؤولية، فجلعت من المسؤولية التقصيرية مصدرا للالتزام، واعتبرت المسؤولية العقدية أثرا من آثار العقد الذي تم الإخلال به.
فالمسؤوليتان تختلفان معا في المفهوم وفي الفوارق التي تميزهما.

ثانيا: أقسام المسؤولية المدنية:

1-المسؤولية العقدية:

المسؤولية العقدية هي التي تترتب على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على وجه المتفق عليه. كمسؤولية المقاول عن التأخر في إقامة البناء الذي تعهد ببنائه عن الميعاد المتفق عليه، أو مسؤولية البائع عن عدم نقل ملكية المبيع إلى المشتري إذا كان يتصرف فيه بعد البيع.
والعقد شريعة المتعاقدين، وعدم الوفاء به يستوجب تعويض، وهذا ما عبر عنه المشرع في الفصل 263 (ق.ل.ع): " يستحق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، وإما بسبب التأخر في الوفاء، وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين ".

2-المسؤولية التقصيرية:

المسؤولية التقصيرية هي التي تنشأ عن الإخلال بالواجبات التي يفرضها القانون، كضرورة إحترام حقوق الجوار، وكمسؤولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة فيصيب إنسانا او يتلف مالا، وكاشتراط القانون عدم الإضرار بالغير، وكل من تسبب في وقوع هذا الضرر إلا ويلزم بأداء التعويض للطرف المضرور.
وقد قرر المشرع المغربي هذه القاعدة في الفصل 77 (ق.ل.ع): " كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا او معنويا للغير التزم مرتكبيه بتعويض هذا الضرر ".

ثالثا: الفرق بين المسؤولتين التقصيرية والتعاقدية:

تنتج عن التفريق بين المسؤوليتين فروق كثيرة أهمها:

1-التضامن:

لا تضامن في المسؤولية العقدية، إلا إذا اتجهت إليه إرادة المتعاقدين صراحة، وقد أكد المشرع هذه القاعدة في الفصل 164 من قانون الإلتزامات والعقود الذي جاء فيه: " التضامن بين المدينين لا يفترض، ويلزم أن ينتج صراحة عن السند المنشئ للالتزام أو عن القانون، أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة ".
وفي المسؤولية التقصيرية فإن التضامن ثابت بحكم القانون في حالة تعدد المسؤولين.

2-الإعفاء الاتفاقي من المسؤولية:

في المسؤولية العقدية يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها، ولايمكن الاتفاق مسبقا على مخالفة قواعد المسؤولية التقصيرية لأن لها علاقة بالنظام العام.

3-التقادم:

تتقادم دعوى المسؤولية العقدية - كمبدأ عام - بمضي 15 سنة، فيما عدا الاستثناءات الوارد عليها نص خاص، وتتقادم دعوى المسؤولية التقصيرية بمضي 5 سنوات من يوم العلم بالضرر، وفي جميع الأحوال بمضي 20 سنة، ( الفصل 106  من قانون الإلتزامات والعقود).
4-الجمع والخيرة بين المسؤولية العقدية والتقصيرية:
يطرح هذا الإشكال في الحالات التي يتولد فيها عن الفعل الواحد دعويان، إحداهما عقدية، والثانية تقصيرية، كالأضرار الناجمة عن الاخطاء التي تسبب فيها أرباب المهن الحرة كالأطباء والمحامين والموثقين.
المسألة الأولى: الجمع بين المسؤوليتين:
الاتجاه الغالب في الفقه والقضاء يذهب إلى عدم جواز رفع دعويين، والجمع بين تعويضين عن ضرر واحد.
المسألة الثانية: الخيرة بين المسؤوليتين وفيها اتجاهان:
الاتجاه الأول: أنصار فكرة الخيار:
ولايرون مانعا في تنقل المضرور بين الدعويين العقدية والتقصيرية، على ألا يكون القصد من ذلك الجمع بين تعويضين من أجل ضرر واحد، وينطلق هؤلاء من ضرورة حماية الطرف الضعيف وهو المضرور، وذلك بمنحه أكثر الحظوظ لاستحقاق التعويض خصوصا في الحالات التي يظهر له فيها بأن أحد الدعويين قد سقطت بالتقادم، او أن حجم التعويض المستحق فيها سيكون ضئيلا.
الاتجاه الثاني: خصوم فكرة الخيار:
وينطلقون من أن المسؤولية التقصيرية لا يلتجأ إليها إلا في غياب العقد، والمسؤولية العقدية تتربت عن إخلال بالتزام العقد، والعقد شريعة المتعاقدين. وكل مساس بقواعد المسؤولية العقدية يترتب عنها المساس بمبدأ سلطان الإرادة الذي هو أصل التراضي في ميدان العقود. والقضاء المغربي يميل إلى رفض الخيار بين المسؤوليتين.

المطلب الرابع: علاقة المسؤولية المدنية بقانون الإلتزامات والعقود المغربي:

يعتبر قانون الالتزامات والعقود المغربي إرثا موروثا عن الحماية الفرنسية، إذ تم وضعه في فترة حاسمة من تاريخ المغرب، عندما كانت فرنسا في أمس الحاجة إلى المؤسسات القانونية التي تعضد بها سلطانها السياسي، فقد تم وضع هذا القانون بظهير 12 غشت 1913 بالاستناد إلى الفصل الأول من اتفاقية الحماية المبرمة بمدينة فاس في 30 مارس 1912 في عهد السلطان مولاي يوسف. وقانون الالتزامات والعقود يكاد يكون صورة طبق الأصل للمجلة التونسية للالتزامات والعقود التي تم وضعها من قبل الحماية الفرنسية بتونس 1906، وتعتبر مزيجا قانونيا لأحكام الفقه الإسلامي والتشريعات الأوربية. وقد فرض هذا القانون قسرا في بداية القرن العشرين، إلا أن المشرع المغربي قد تقبله طوعا واحتضنه في الفترة الموالية للاستقلال، وهذا ما يفهم من قانون التوحيد والتعريب والمغربة، وكذا المرسوم الملكي الصادرين في 1965. وعلى الرغم من مرور قرابة قرن من الزمن على صدور هذا القانون والعمل به في المغرب، فإنه لم ينله أي تغيير جذري يذكر.
يحتوي قانون الالتزامات والعقود على 1250 فصلا، بما في ذلك النصوص المكررة والملغاة، وهي موزعة على كتابين اثنين: الكتاب الأول يتناول النظرية العامة للالتزامات ( الالتزامات بوجه عام ). الكتاب الثاني ويتناول العقود المسماة ( العقود المسماة وأشباه العقود التي ترتبط بها).

الفقرة الأولى: النظرية العامة للالتزامات:

وتعتبر هذه النظرية بمثابة التشريع العام لجميع فروع القانون الأخرى، خصوصا تلك التي تفرعت عن قانون الالتزامات والعقود، كالقانون التجاري والاجتماعي... وتظهر أهمية هذه النظرية من كونها قابلة للتطبيق في الميدان المدني باعتبارها أصلا عاما، وفي الميادين الأخرى متى كان هناك فراغ تشريعي بخصوصها، فإن سلطانها ينبسط على فروع القانون جميعا. أما مضمون هذه النظرية فهو الالتزام بصفة عامة منذ نشأته إلى انقضائه، فالالتزام يولد كالشخص الطبيعي، ثم يعيش لفترة معينة قد تطول أو تقصر، ثم ينتهي بأحد الأسباب المؤدية إلى زواله. وقد تناولت هذه النظرية احكام الالتزام في سبعة أقسام، وهي:
مصادر الالتزام، وأوصافه، وانتقاله، وآثاره، وبطلانه وإبطاله، وانقضائه، وأخيرا إثباثه. ثانيا: العقود المسماة. اقتصر المشرع المغربي في هذا الكتاب على سرد أحكام أهم العقود التقليدية الشائعة الاستعمال، وخصص لها 12 قسماً، وهي عقد البيع، والمعاوضة، والإجارة والكراء والوديعة، والعارية، والوكالة والإشتراك والغرر، والصلح والكفالة والرهن، والقسم الأخير في مختلف انواع الدائنين. وقد وفق المشرع المغربي في تناول هذه العقود بمنهج اعتمد فيه التمثيل لا الحصر، ذلك أن حصر العقود يفوق طاقة المشرع بسبب ظهور أنماط جديدة إلى حيز الوجود، وتناقص قيمة العقود التقليدية إلى حد يدفع التشريعات الحديثة إلى إسقاطها من مدوناتها المدنية، لتبقى النظرية العامة للالتزامات هي ملجا القضاء ليقتبس منها ماهو صالح للتطبيق على النماذج الجديدة للعقود غير المسماة. وهذا ما يؤكد ضرورة إعادة النظر في نصوص قانون الالتزامات والعقود المغربي بشكل يمكن في مواكبة مستجدات الواقع، واجتهادات الفقه والقضاء وإغناء الترسانة القانونية المغربية. 

الفقرة الثانية: مصادر الالتزام والمسؤولية المدنية:

الالتزام رابطة قانونية بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين، يترتب بمقتضاها على الطرف المدين تجاه الطرف الدائن نقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل. وللالتزام مصادر يترتب عن الإخلال بها مسؤولية مدنية. 

أولا: مصادر الالتزام في قانون الالتزامات والعقود:

يقصد بمصادر الالتزام الأسباب القانونية المباشرة المولدة له، فالتزام المشتري بدفع الثمن إلى البائع مصدره عقد البيع المبرم بين الطرفين، والتزام من ألحق ضررا بغيره بالتعويض عن الضرر، مصدره العمل الضار الذي ارتكبه بحق المضرور. وقد نصت المادة الأولى من (ق.ل.ع) على أن " الالتزامات تنشأ عن الاتفاقات والتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة، وعن أشباه العقود، وعن الجرائم وعن أشباه الجرائم ". فمصادر الالتزام حسب هذا التشريع هي: 1- الاتفاقات (أو العقود). 2- التصريحات المعبرة عن الإرادة (الإرادة المنفردة). 3- أشباه العقود. 4- الجرائم وأشباه الجرائم. وقد انتقد صنيع المشرع المغربي من حيث اعتداده بشبه العقد وشبه الجرم، مصدرين للالتزام، وإغفاله للقانون الذي يمكن أن يكون سببا مباشرا لنشوء الالتزام، لكن التصنيف الأكثر دقة لمصادر الالتزام هو تصنيف الفقه والتشريع لها إلى خمسة وهي: أولا: العقد. ثانيا: الاإرادة المنفردة. ثالثا: الإثراء بلا سبب. رابعا: العمل غير المشروع. خامسا: القانون.

ثانيا: المسؤولية المدنية وعلاقتها بمصادر الإلتزام:

إذا أخل أحد بالتزام ترتب على هذا الإخلال مسؤوليته المدنية، وهذه الأخيرة على نوعين: مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية. والمسؤولية العقدية هي جزاء الإخلال بتنفيذ العقد، وهي أثر من آثار العقد الذي تم الإخلال به. وهي مستمدة من العقد كمصدر من مصادر الالتزام. والمسؤولية التقصيرية هي العمل غير المشروع، وهو المصدر الرابع من مصادر الالتزام.