ملخص العلاقات الدولية


لائحة المراجع المعتمدة في هذا الملخص:

-مبادئ العلاقات الدولية للأستاد كمال جاد الله.
-التاريخ السياسي للعلاقات الدولية للأستاذ ناصر الدين محمود.
-محاضرات في مادة العلاقات الدولية للأستاذ حمزة بولحسن.
-محاضرات في مادة العلاقات الدولية للأستاذ أحمد حسون.

المطلب الأول: مقدمة عن العلاقات الدولية:

تعتبرالعلاقات الدولية علما من العلوم الإنسانية والتي تدرس الإنسان ضمن تفاعلاته الدولية وفق مناهج علمية.

وتعتبر بذلك مادة معرفية واختصاصا علميا يهتم بدراسة الواقع الدولي بكل تفاعلاته وفاعليه ومتغيراته كما يمكن النظر لها كحقل معرفي أكاديمي يهتم بدراسة الظواهر الدولية التي تحدث بين أشخاص العلاقات الدولية من أجل فهم جوهرها وأبعادها وفق أدوات علمية.

ومن جهة أخرى، تندرج مادة المدخل إلى العلاقات الدولية ضمن مواد القانون العام االخارجي، وتستمد هذه االمادة أهميتها من محاولة تفسر العلاقات بين الدول، وبالتالي تساعدان على فهم العالم.

وعلى هذا الأساس، ترمي العلاقات الدولية الى فهم وتفسير وشرح ما يجري داخل المجتمع الدولي، وذلك عن طريق مقاربة جوهر العلاقات بين الفاعلين في العلاقات الدولية، سواء كانت ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو إنسانية بصفة عامة.

وفضلا عن ذلك، فالأحداث المتلاحقة والمتسارعة التي مر منها العالم بشكل عام، والعالم العربي بشكل خاص تحتاج إلى أداة علمية تمكننا من فهم جوهرها وتفسير أبعادها ومعرفة العوامل والمحدداث المؤثرة  فيها، وهنا تبرز أهمية مادة المدخل إلى العلاقات الدولية. 

المطلب الثاني: نشأة العلاقات الدولية وتعريفها:

الفقرة الأولى: نشأة العلاقات الدولية:

ننطلق من ثلاثة مستويات للبحث في نشأة العلاقات الدولية وتعريفها، المستوى الأول دراسة أصل العلاقات الدولية كظاهرة من الظواهر الإنسانية من أجل التفكير في عدة إشكاليات مرتبطة بجذورها وظروف نشأتها.

في حين يتعلق المستوى الثاني بالتفكير في مختلف التعاريف التي قدمت للعلاقات الدولية من أجل تحديد ماهيتها.

أما المستوى الثالث فقد خصصناه لميلاد العلاقات الدولية كحقل علمي أكاديمي مشددين على الكيفية التي تشكل هذا الأخير بها، وذلك من خلال التوقف على سيرورة تشكل العلاقات الدولية كعلم واستقلاله عن باقي العلوم الاجتماعية.

أولا: العلاقات الدولية كظاهرة:

عبارة "العلاقات الدولية" تستعمل  للدلالة في نفس الآن على الظاهرة وعلى العلم وفي هذا المستوى يستخدم لفظ العلاقات الدولية بالمعنى الأول، وذلك للتعبير عن جميع الأحداث والوقائع التي يشهدها الواقع الدولي فهي بهذا تدل على مجموع التفاعلات السائدة بين الشعوب والمجتمعات السياسية.

1-أصل العلاقات الدولية كظاهرة من الظواهر الاجتماعية:

أ-الموقف الأول:

يطلق لفظ العلاقات الدولية على العلاقات التي كانت قائمة بين كل الوحدات السياسية المستقلة من غير الدول التي عرفها التاريخ وحتى ما قبل التاريخ إلى اليوم إذ يرى كولار أن العلاقات الدولية ظاهرة موغلة في القدم.

كما لا يرتدد هولستي في اعتبار أن العلاقات الدولية تنشأ داخل كل مجموعة من الكيانات السياسية كالقبائل والدول - المدن والإمبراطوريا ت التي تربط بينها تفاعلات تتميز بقدر كبير من التواتر ووفق نوع من الانتظام.

من الواضح أن هولستي يوسع موضوع العلاقات الدولية ليشمل كل أشكال التجمعات السياسية المستقلة التي عرفها التاريخ البشري.

هكذا، يدافع أصحاب هذا الموقف على أن العلاقات الدولية ظاهرة قدمية قدم المجتمعات البشرية نفسها برزت وترسخت مع ظهور المجتمعات البشرية التي اضطرت، بهدف الحفاظ على بقائها وتأمين حاجتها، إلى التعامل مع غيرها من التكتلات.

إذ يشهد التاريخ على وجود العديد من الصلات بين هذه الشعوب والمجتمعات اتخذت شكل روابط تعاونية سياسية وتجارية وثقافية كما اتخذت شكل صدامات وصراعات وحروب أحيانا أخرى.

من هنا، تدل العلاقات السائدة بين الشعوب والمجتمعات السياسية في الماضي البعيد على أن جذور العلاقات الدولية تعود إلى عهود قدمية جدا.

ب-الموقف الثاني:

يرفض المفكر البريطاني هيدلي بول المدلول الواسع الذي منحه الموقف الأول لعبارة العلاقات الدولية، ويلح على أن حصر دلالة هذه الأخيرة في معناها الضيق: أي العلاقات بين الدول.

وعلى هذا، يظهر أن تحديد تاريخ ميلاد ظاهرة العلاقات الدولية يرتبط بالفترة التي ظهرت فيها الدول ومجتمع الدول باعتبارهما المكون الأساسي وجوهر ما يسمى بالعلاقات الدولية، فالافتراض هنا يقوم على التسليم بعدم إمكانية وجود ظاهرة العلاقات الدولية بدون وجود الدول.

واستنادا لذلك، فمهمة البحث في أصول ميلاد ونشأة العلاقات الدولية كظاهرة تفضي إلى مهمة أخرى تخص البحث في أصول ميلاد ونشأة الدولة، وكذا المجتمع الدولي، بوصفهما المؤشر الأساسي لظهور العالاات بين الدول، حيث يقول هيدلي بول أن نقطة الانطلاق في العلاقات الدولية هي وجود دول، أو مجتمعات سياسية مستقلة.

ويشير روبرت جاكسون إلى أن جذور الدولة ومجتمع الدولة قديمة جدا، حيث هناك من يتحدث عن وجود اتفاقيات رسمية مسجلة بين الدول - المدن القديمة  تعود إلى عام 2400 ق.م، وتحالفات تعود إلى 1390ق.م، ووجود مبعوثين دبلوماسيين عام 653 ق.م.

ولكن هناك من يعتبر اليونان القديمة أول مظهر تارخي لميلاد الدول ومجتمع الدول، فالنظام الذي أقامته المدن اليونانية يمثل سابقة بالنسبة للنظام الذي أقامته الدولة القومية في أوروبا.

وهناك من يرى ولكن بدرجة أقل أن فترة الرومان عرفت قيام مجتمع دولي قائم على فكرة االخضوع والهيمنة التي فرضتها الإمبراطورية الرومانية على باقي الأقاليم غير أن أغلب الكتابات المرجعية في حقل العلاقات الدولية تذهب إلى أن معاهدة وستفاليا عام 1648 كانت التعبير الصريح الاول عن مجتمع الدول الاوروبي، الذي اعترب أول مجتمع دولي متكامل البناء بمؤسساته الدبلوماسية الخاصة، وصيغته القانونية الرسمية.

ومن هذا المنظور، يؤكد هيدلي بول أن العلاقات الدولية لم تظهر إلا مع الدولة القومية في أوروبا بين القرنين 15 و16 مما يعني أن تشكل هذا النمط استغرق حوالي  قرنين من الحروب الدينية والسياسية  والقومية على مستوى أوروبا كلها.

وعلى هذا النحو، اعتبرت ظاهرة العلاقات الدولية منتوجا أوروبيا خالصا، بالتالي  جعل من "أسطورة 1648" محددا لنشوء العلاقات الدولية كظاهرة، وبالتالي  كموضوع للدراسة والبحث.

إذ يؤكد العديد من الباحثين أن معاهدة وستفاليا 1648 شكلت المحدد لموضوع العلاقات الدولية المكون من الدول ونظام  الدول ومؤسساته ومبادئه التي يركز عليها، فهم يؤرخون للعلاقات الدولية ابتداء من هذه المعاهدة التي هي كذلك المرجعية التارخيية للدولة ونظام الدول ومبدأ السيادة ونهاية النظام الإقطاعي للجمهورية المسيحية ونهاية حرب الثلاثين سنة.

إذن شكلت هذه المعاهدة في أدبيات العلاقات الدولية النقطة المرجعية لأصل كل من: الدولة الحديثة والمفهوم المبتكر للسيادة ونظام الدول الأوروبي.

وفي هذا الاطار، قدم الذين يميلون إلى أن الدولة ظاهرة حديثة، ويسلمون أنه لا يمكن تصور وجود علاقات دولية بدون وجود الدولة القومية، بعض التربيرات للدفاع عن تصورهم منها ما هو سياسي قانوني، ومنها ما هو اقتصادي اجتماعي.

يرى هايس، من الزاوية السياسية القانونية، أنه بدون مبدأ المساواة بين دول ذات سيادة فالعلاقات الدولية غير ممكنة.

أما كريندورف فيؤكد، من زاوية اقتصادية اجتماعية، أن العلاقات الدولية ظاهرة تجد سببها في قيام النظام الاجتماعي الاقتصادي الرأسمالي البرجوازي.

ولقد نشأت العلاقات الدولية بالمعنى الضيق مع نمط الدولة القومية الذي ظهر في أوروبا على أنقاض النمط الدولي الإقطاعي في القرن السادس عشر، ثم انتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء العالم بفعل الاكتشافات الجغرافية الكبرى والتوسع الأوروبي، ثم على إثر تصفية الاستعمار، امتدت العلاقات الدولية من منظور مرسيل مريل لتشمل كل أنحاء المعمور، وأصبحت الشعوب بذلك تعيش كلها تاريخا دوليا واحدا، كما أصبحت العلاقات الدولية أكثر شمولا حيث لم تعد مختزلة في أوروبا.

فمنذ القرن التاسع عشر ظهرت السفارات الدائمة فأعطت الاتصالات الدبلوماسية استقراراها واستمراريتها.

وبعد الحرب العالمية الثانية لم تعد قضايا الأمن طاغية على العلاقات الدولية بل برز بجانبها ما أسماه ميرل بالقضايا المجتمعية (ثقافة،اقتصاد) التي كانت السبب في تعدد المنظمات الدولية.

الفقرة الثانية: تعريف العلاقات الدولية:

إن مهمة وضع تعريف محدد ودقيق للعلاقات الدولية تبقى مهمة صعبة وشاقة وذلك لجملة من الإعتبارات:

الإعتبار الأول:

يرتبط بملاحظة للمفكر الفرنسي رميون آرون مفادها أن العلاقات الدولية كمادة معرفية ليس لها حدود مرسومة في الواقع.

فلا يمكن لها أن تنفصل أو تفصل عن باقي الظواهر الاجتماعية؛ بل إن بعض العلوم الحقة يمكن أن تفيد هذه المادة.

الإعتبار الثاني:

يرجع إلى اختلاف المنطلقات الفكرية والإيديولوجية لكل باحث في هذه الظاهرة حيث يؤثر المحيط العلمي والثقافي الذي يعيش فيه على تحديد مفهوم العلاقات الدولية.

الإعتبار الثالث:

حداثة المادة إذا ما قورنت بالمواد أو العلوم الأخرى، حيث لم تستقل هذه المادة بنفسها، وتدرس كمادة معرفية مستقلة إلا بعد الحرب العاملية الأول في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ولقد سبق لكريس براون في كتابه "فهم العلاقات الدولية" الوصول إلى قناعة مفادها أنه من الصعوبة وضع تعريف للعلاقات الدولية ينال رضى الأغلبية من الباحثين في هذا الحقل.

وبالنظر لعدم الاتفاق حول تعريف موحد للعلاقات الدولية، فقد ارتاينا الأخذ بتصنيف الأستاذ أنور محمد فرج للتعاريف المتداولة في الحقل، وتقدميها على الشكل التالي:

أولا: التعاريف التي تركز على أطراف العلاقات الدولية:

بعض التعاريف الهادفة إلى تحديد الفاعلين في العلاقات الدولية، والتي توزع أصحابها إلى صنفين:

الصنف الأول:

ركز عدد كبير من المفكرين في حقل العلاقات الدولية على الدولة كوحدة للتحليل مثل هانس مورغنتاو ورميون آرون وستانلي هوفمان وكوينسي رايت.

وفي هذا السياق، اعتبرت الدول كوحدات متجانسة ومستقلة الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية إذ تم تحديد العلاقات الدولية بأنها علاقات بين الدول فقط، فلا وجود للعلاقات الدولية بدون الدولة  لذلك، تعتبر هذه الاخيرة الفاعل الرئيسي بل الوحيد في العلاقات الدولية.

ومن هذا المنظور يمكن تفسير الإغفال التام للأطراف الأخرى، وما يمكن أن تقوم به من أدوار فاعلة في العلاقات الدولية كالمنظمات الدولية مثلا.

لقد قال رميون آرون أن العلاقات الدولية هي العلاقات بين الوحدات السياسية المستقلة الموجودة في العالم.

كما ركز ميشال فريايل على العلاقات التي تربط بين السلطات السياسية التي حاولت التهرب من سلطة سياسية أعلى منها وفي نفس الاتجاه، ذهب كوينسي رايت إلى اعتبار العلاقات الدولية هي العلاقات القائمة بين مجموعات سياسية ذات سلطة.

والملاحظ أن أصحاب هذا التصور يدافعون على أن الدولة هي الطرف الوحيد والمميز للعلاقات الدولية، إذ حدد كل من مورغنتاو وكينيت تومبسون جوهر العلاقات الدولية في السياسة الدولية التي مادتها الأساسية الصراع من أجل القوة بين الدول ذات السيادة.

يبقى أن التصور الذي يعرف العلاقات الدولية بأنها العلاقات بين الدول هو تصور قاصر وعاجز عن استيعاب العناصر الحقيقية للظاهرة الاجتماعية التي تشمل العلاقات الدولية، وفهم بنية وميكانيزمات اشتغال المجتمع الدولي وقد تبنت هذا التصور فئة من المفكرين والباحثين في حقل العلاقات الدولية، ولكنها تراجعت عنه مؤخرا، وخصوصا بعد ظهور المنظمات الدولية والاعتراف لها بالشخصية الدولية.

الصنف الثاني:

تبنى أصحابه رؤية أكثر شمولية للعلاقات الدولية سواء من حيث الفاعلين، أو من حيث القضايا والعوامل المؤثرة فيها.

وسنركز في هذا المضمار، على الفاعلين في العلاقات الدولية وذلك لإعتبارات منهجية وتعليمية.

ولقد ركز الاتجاه الاول على الفرد كوحدة للتحليل، فنيكوالس سبيكمان مثلا عرف العلاقات الدولية بأنها " العلاقات بين أفراد ينتمون لدول مختلفة، والسلوك الدولي هو ذلك السلوك الاجتماعي لأشخاص أو مجموعات تستهدف أو تتأثر بوجود سلوك أفراد أو جماعات ينتمون إلى دول أخرى".

في حين ركز الاتجاه الثاني على تعدد الفاعلين، فدانيال كوالر اعتبر أن دراسة العلاقات الدولية تغطي العلاقات السلمية والحربية بين الدول والمنظمات الدولية، وتأثير القوى ذات البعد الدولي، وجميع المبادلات والنشاطات التي تتعدى حدود الدولة.

يتبين إذن أن الدولة ليست في هذا الاتجاه الطرف الوحيد الذي يلعب دورا فاعلا على الساحة الدولية، بل هناك قوى جديدة وفاعلة لها تأثيرها على مستوى شكل ومضمون السياسات الدولية.

أما الاتجاه الثالث فقد ركز على النسق أو النظام الدولي كوحدة للتحليل، فروبرتو ميسا يعرف العلاقات الدولية بأنه العلم الذي يدرس المجتمع الدولي الديناميكي والجامد، أي دراسة المجتمع الدولي كوحدة مستقلة من جهة، و دراسة التفاعلات الديناميكية التي تحدث في إطارها من جهة أخرى.

وجعل مورتون كابلان من النظام الدولي ككل محور التحليل في دراسة العلاقات الدولية.

وانطلاقا من ذلك، فالمحور الذي تدرسه العلاقات الدولية ينصب على المجتمع الدولي في ماضيه وحاضره ومستقبله.

يتضح من التعاريف السالفة الذكر أن علم العلاقات الدولية لا يدرس الدولة فقط، بل يتسع نطاقه لكل االفاعلين، كالمنظمات الدولية، التي تم الاعتراف لها بالشخصية القانونية، والشركات متعددة الجنسيات.

لم تعد الدولة في الوقت الحاضر المؤسسة السياسية الوحيدة التي تقوم بدور هام في الحياة الدولية بل هناك الى جانب الدولة منظمات دولية حكومية وغير حكومية اقليمية وعالمية وتؤثر في معظم الاحيان في مجرى العلاقات الد ولية.

وإلى جانب الدولة والمنظمات الدولية يوجد الشركات متعددة الجنسيات التي تتمتع بتأثير قوي داخل الساحة الدولية.

ثانيا: التعاريف التي تركز على ماهية العلاقات الدولية:

هذا الصنف من التعاريف يركز على موضوع العلاقات الدولية، وهنا يمكن القول بأن مجالات العلاقات الدولية قد لا يقتصر على العلاقات السياسية وحدها ولكن يمكن أن يشمل العلاقات الأخرى كالعلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية.

وفيما يلي سنتحدث عن بعض التعاريف التي تهدف الى تحديد المضمون الحقيقي لعبارة العلاقات الدولية والتي انقسم أصحابها الى اتجاهين:


الاتجاه الأول:

ركز أصحاب هذا الاتجاه على العلاقات السياسية كموضوع للعلاقات الدولية حيث نجد على سبيل المثال محمد سامي عبد الحميد يعرفها بأنها " كل علاقة ذات طبيعة سياسية أو من شأهنا إحداث انعكاسات وآثار سياسية تمتد إلى ما وراء الحدود الإقليمية لدولة واحدة".

يتبين من خلال هذا التعريف أن العلاقات الدولية تكتفي بما هو سياسي، إذ تركز على دراسة الظواهر السياسية، ولا تمتد الى ما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي.


الاتجاه الثاني:

حاول أنصار هذا الاتجاه تقديم تعريف شامل لكل أبعاد أو مجالات العلاقات الدولية، فمثلا فأنطونيو ترويول عرفها بأنها "تلك العلاقات الإنسانية ذات الطبيعة الدولية"، والمقصود بذلك أن نطاق العلاقات الدولية لا يكتفي بدراسة الظواهر السياسية بل يشمل دراسة التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وفي نفس الإطار يقول بطرس غايل: "إننا نفضل عدم وصف العلاقات الدولية بأنها سياسية لأنه إذا كان الجانب السياسي هو الغالب فيها، فإن لبعض العناصر الأخرى من اقتصادية واجتماعية وثقافية أثرا لا يقل عن السياسية".

إن إقامة علاقات دبلوماسية مع إحدى الدول، وتبادل الزايرات الرسمية مع رؤسائها، وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات معها ليس إلا مظهرا من المظاهر العديدة التي تحفل بها الحياة الدولية.

ولقد كانت الثورة التكنولوجية، وتزايد أهمية المسائل الاقتصادية والاجتماعية،وتطور وسائل النقل والاتصال والإعلام، وتضخم دور الدولة في المجتمع، سببا في توسع حدود الميدان الخاص الذي تنشط فيه العلاقات الدولية.

يتبين من خلال مختلف التعاريف المقدمة للعلاقات الدولية أنه ليس هناك اتفاق على تعريف موحد للعلاقات الدولية في ظل تنوع الاتجاهات واختلافها وتعدد النظرايات التي يشهدها حقل العلاقات الدولية كتخصص أكادميي.

كما يتضح وجود تباين وخلاف في الرأي حول مضمون العلاقات الدولية وطبيعتها ونطاقها.ومن خلال ما سبق فكل محاولة للتعريف بالحقل الدراسي للعلاقات الدولية، ورسم حدوده، يستلزم إثارة الملاحظات التالية:

أ-العلاقات الدولية عبارة عن حقل خصب يهتم بدراسة كل الأحداث والوقائع التي يعرفها المشهد الدولي، فهي جملة من التفاعلات سواء التعاونية (حالات السلم والتعاون والتبادل..)، أو الصراعية (النزاعات والحروب والفتن..). 

ب-العلاقات الدولية هي تعبير عن جل التفاعلات النامجة عن تحركات الفاعلين الدوليين، فصناعة التفاعلات في الساحة الدولية لم تعد مرتبطة بفاعل واحد، بل بالعديد من الفواعل المتباينة في نوعها وأهدافها (الدول،المنظمات الدولية،الشركات متعددة الجنسيات،جماعات وتنظيمات والأفراد).

وعلى الرغم من الاعتقاد بأن العلاقات الدولية، بمفهومها وأغراضها، تسير نحو تجاوز معامل العلاقات السياسية بين الدول، فإن العديد من الباحثين يعترفون بأن الدولة ما زالت تعتبر حتى الآن المركز الرئيسي لكل تقرير أو حسم في الحياة الدولية.

ت-شساعة الحقل الدراسي للعلاقات الدولية، ويتجلى ذلك في اتساعه لكل التفاعلات التي تحدث بين مختلف الفاعلين في السياسة الدولية، سواء كانت التفاعلات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو دينية.

المطلب الثالث: مراحل تشكل العلاقات الدولية وأسباب ظهورها:

الفقرة الأولى: مقدمة:

لا يقتصر مفهوم العلاقات الدولية على مجرد الأحداث والوقائع، بل يشمل أيضا الخطاب الأكاديمي الذي يتناول هذه الظاهرة.

وبالتالي تعتبر العلاقات الدولية مجالا معرفيا دراسيا حول ظاهرة العلاقات الدولية، مما جعلها حقلا للمعرفة المنهجية، وموضوعا للبحث المنظم الذي يهدف إلى الوصف الشامل للظاهرة، وتحديد الأسباب والغايات منها لتفسير التفاعلات التي تتضمنها، بل والتنبؤ بتطوراتها المتوقعة.
تشير العلاقات الدولية إلى ذلك المجال المعرفي الذي يسعى إلى فهم ظاهرة العلاقات الدولية بشكل علمي، وذلك بالإعتماد على مناهج تهدف إلى دراسة الظاهرة والتحكم فيها.

ولقد سعى مجال العلاقات الدولية إلى أن يكون فرعا علميا مستقلا بذاته، له موضوعاته الخاصة، ومجموعة النظريات التي تميزه عن غيره، بالإضافة إلى المناهج القادرة على تحقيق ذلك.

وظل هذا الهدف يسعى إليه العديد من الباحثين والمفكرين، وذلك من خلال إخضاع ظاهرة العلاقات الدولية لأدوات الخطاب العلمي.

من هذا المنظور، فإن التأسيس الأكاديمي لمجال العلاقات الدولية كتخصص علمي استلزم الإنتقال من التفسيرات الدينية والأسطورية والفلسفية (التأملية-الذاتية) إلى الدراسات العلمية التي تهدف إلى فهم الواقع الدولي والإحاطة به في ديناميكيته وشموليته، وذلك من خلال استخدام المنهج العلمي الذي ينطلق من الواقع في محاولة لفهمه وتفسيره.

يمكن القول إن العلاقات الدولية مرت بمرحلة التفكير التأملي - الذاتي أو ما قبل العلمية إلى مرحلة المعرفة العلمية، وذلك لأسباب معينة وظروف تاريخية محددة.

الفقرة الثانية: مراحل تشكل العلاقات الدولية:

أولا: المرحلة ما قبل العلمية:

قبل أن تتحول العلاقات الدولية إلى مادة معرفية مستقلة، ومعترف بها في بداية القرن العشرين، كان هناك اهتمام بالظاهرة، أو على الأقل لم تكن العلاقات الدولية وإن كان يعبر عنها بتعابير مختلفة شيئا مجهولا، بل كانت تظهر بصورة أو بأخرى في كثير من الوثائق والكتب السماوية وحتى الأساطير، وذلك منذ آلاف السنين.

هكذا، نجد في الكتب السماوية أوصافا لوقائع وأحداث تاريخية من أجل استخلاص العبر، وإعطاء مغزى للوجود الإنساني، ومعنى لسلوكات البشر.

علاوة على ذلك، نصادف العلاقات الدولية في كتب فلاسفة التاريخ من ثيوسيديدس إلى توينبي مرورا بابن خلدون، وهيغل وكارل ماركس وغيرهم، إذ تعنى هذه الكتب بالتاريخ الإنساني ككل، وتهدف إلى استجلاء منطق التطور التاريخي، واكتشاف ثوابته ومتغيراته انطلاقا من وقائع التاريخ.

وفضلا عن ذلك، حفلت أدبيات العلاقات الدولية بكتابات ذات طابع عملي، تتمثل في وصايا ونصائح وإرشادات المفكرين للملوك والأمراء حول كيفية إدارة العلاقات الخارجية.

إلى جانب ذلك، اهتمت العديد من المؤلفات التي تندرج في إطار الفلسفة السياسية (كتابات هوبس ولوك وروسو وكانت ...) بالقضايا الدولية الخاصة بالفضاء الأوروبي.

وابتداء من القرن السادس عشر، وخصوصا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ظهرت العديد من الكتابات التي تأخذ منحى التخصص في مجال العلاقات الدولية، وذلك بفعل التطورات الكبيرة والتحولات العميقة التي شهدها الفضاء الأوروبي.

وهكذا، فمع شيوع مصطلح العلاقات الدولية والسياسة العالمية في نهاية القرن التاسع عشر، اشتد الإهتمام بظاهرة العلاقات الدولية من زوايا متعددة، وكان ذلك تعبيرا عن الوعي المتزايد بأهميتها وبخطورتها في الآن نفسه، كما كان ذلك إيذانا برغبة في السيطرة عليها بالفكر والعمل (تحت تأثير النزعة العملية التي شاعت في القرن التاسع عشر) للإستفادة منها أو للحد من مخاطرها، بل وحتى لتغييرها، لكن علم العلاقات الدولية لن يظهر إلا بعد الحرب العالمية الأولى.

ثانيا: المرحلة العلمية:

ظهرت العلاقات الدولية، كخبرة فكرية وتخصص علمي، في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى، وتطورت بشكل خاص عقب الحرب العالمية الثانية.

وإذا كانت معظم الدراسات والأبحاث المتخصصة تجمع على أن علم العلاقات الدولية تأسس ما بين عامي 1919 و1923 في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد اعتبر جانب من الباحثين أن التأسيس الفعلي للعلاقات الدولية كفرع أكاديمي يعود بالضبط لعام 1919.

ومن هذا المنطلق، تحدث بعض الباحثين عن "أسطورة 1919" كمحدد لميلاد حقل العلاقات الدولية كتخصص علمي مستقل على غرار بقية العلوم الإجتماعية الأخرى التي سبقته في هذا المجال.

ولقد قال دانيال كولار بأن هذا التخصص نشأ وتطور في كل من بريطانيا وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية للأسباب التالية:

-مرونة النظام الجامعي أكثر بالولايات المتحدة الأمريكية.

-اتساع حجم المسؤوليات العالمية التي كانت تضطلع بها الدول الأنجلوسكسونية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية.

-توفير الإمكانات اللازمة والضخمة للباحثين مما سهل عملية نشر وتعميم هذا الحقل من المعرفة.

ولقد شكلت العلاقات الدولية الأداة العلمية التي من شأنها مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية على الإهتمام بالشؤون العالمية، ومعرفة كيفية التعامل مع الغير، ورسم سياساتها الخارجية.

ومن المعروف في مجال العلاقات الدولية أن الحقل حتى وإن كان ميلاده أوروبيا خالصا (بريطانيا)، إلا أنه تطور وتشكلت هويته الأكاديمية والمعرفية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالنسبة لفرنسا، فمادة العلاقات الدولية لم تظهر بجامعاتها إلا في بداية السبعينات (في إطار الإصلاح الجامعي الذي أعقب أحداث مايو 1968)، بل إن القضايا الدولية لم تحتل إلا مكانة ضئيلة في الدراسات الجامعية حتى منتصف الخمسينات، وحتى منذ ذلك التاريخ لم تكتس إلا طابعا استئناسيا كتمهيد للدراسات القانونية الجادة.

غير أن الأمور ستتغير انطلاقا من بداية السبعينات، ولكن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك اهتمام بالعلاقات الدولية خارج الجامعة، بل بالعكس فلقد كانت هناك مؤسسات متخصصة في بعض جوانب هذه الأخيرة (السياسة الخارجية والحرب) ولكنها لم تظهر إلا غداة الحرب العالمية الثانية، ولم تلق إلا إقبالا محدودا.

حاصل القول إن التأسيس الأكاديمي لحقل العلاقات الدولية كتخصص معرفي ارتبط بنتائج الحرب العالمية الثانية، وتجلت الغاية منه في تجنب الحروب وفظائعها وتحقيق السلم العالمي وهو ما يفسر اهتمام القوى الدولية بالعلاقات الدولية كعلم من أجل فهم الواقع الدولي وإدراك تفاعلاته.

ولقد نشأت العديد من معاهد ومراكز الأبحاث والدراسات حول العلاقات الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قبل أن تعمم في باقي دول أوروبا فيما بعد.

وهي الأبحاث والدراسات التي اهتمت بدراسة ظاهرة العلاقات الدولية دراسة موضوعية علمية قصد فهم وإدراك حقائقها، مما ساعد على ظهور العديد من النظريات والمقتربات التي كان لها الدور الكبير في بناء صرح العلاقات الدولية.

وإذا كانت الإهتمامات الرسمية بالعلاقات والمبادلات والوثائق والمعاهدات الدبلوماسية قد سيطرت على حقل العلاقات الدولية في بداياته، وذلك عندما انضوى تحت لواء فروع من العلوم الإجتماعية كالقانون والسياسة، فإن حركة الإستقلالية والتخصص التي كان يشهدها ميدان العلوم الإجتماعية لم تستثن العلاقات الدولية من أن تكون تخصصا علميا مستقلا حتى وإن جاء متأخرا.

الفقرة الثالثة: أسباب ظهور علم العلاقات الدولية:

سنقوم بعرض مجموعة من الأسباب التي قدمها الباحثون في مجال العلاقات الدولية:

أولا: الرغبة في تحقيق السلم والتفاهم الدولي:

بعد الحرب العالمية الأولى، كان هناك شعور قوي بضرورة إيجاد حلول علمية للصراعات الدولية.

وكان الهدف هو استخدام المعرفة العلمية في العلاقات الدولية لتعزيز السلام وتجنب تكرار الحروب المدمرة.

ثانيا: الإيمان بإمكانية الدراسة العلمية للعلاقات الدولية:

تأثرا بالتقدم العلمي في القرن التاسع عشر، كان هناك اعتقاد بأن العلاقات الدولية، مثل الظواهر الطبيعية والإجتماعية الأخرى، يمكن دراستها بشكل منهجي.

وهذا الإعتقاد دفع الباحثين إلى تطوير مناهج وأدوات بحثية جديدة لدراسة العلاقات الدولية.

ثالثا: تأثير الديمقراطية والفكر الإشتراكي:

إن انتشار الديمقراطية والفكر الإشتراكي في أوروبا والبلاد الأنجلوسكسونية زاد من وعي الجمهور بأهمية الشؤون الخارجية.

وأصبح الرأي العام أكثر اهتمامًا بمراقبة السياسة الخارجية، مما استدعى الحاجة إلى نشر المعرفة والتعليم في مجال العلاقات الدولية.

رابعا: تكاثف الإرتباطات والصلات بين الوحدات السياسية:

زادت الثورة التكنولوجية في الإتصالات من ترابط الدول وتفاعلها.

وتزايد القوة التدميرية للأسلحة النووية جعل العالم أكثر عرضة للخطر، مما زاد من الحاجة إلى فهم العلاقات الدولية وإدارتها.

خامسا: تزايد عدد الفاعلين في العلاقات الدولية:

لم تعد العلاقات الدولية مقتصرة على الدول، بل ظهر فاعلون جدد مثل المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات.

وهذا التنوع في الفاعلين استدعى تطوير نظريات ومناهج جديدة لدراسة العلاقات الدولية.

سادسا: الحاجة إلى إطار نظري ومنهجي:

ترافق التغيرات في المجتمع الدولي مع الحاجة إلى تطوير إطار نظري ومنهجي لفهم هذه التغيرات والسيطرة عليها.

وتمثل هذا الإطار في تطوير نظريات ومقتربات جديدة لدراسة العلاقات الدولية.

------------------------------

الفهرس:

المطلب الأول: مقدمة عن العلاقات الدولية:

المطلب الثاني: نشأة العلاقات الدولية وتعريفها:

  الفقرة الأولى: نشأة العلاقات الدولية:
    أولا: العلاقات الدولية كظاهرة:
      1-أصل العلاقات الدولية كظاهرة من الظواهر الاجتماعية:
          أ-الموقف الأول:
          ب-الموقف الثاني:

 الفقرة الثانية: تعريف العلاقات الدولية:
   أولا: التعاريف التي تركز على أطراف العلاقات الدولية:
   ثانيا: التعاريف التي تركز على ماهية العلاقات الدولية:

المطلب الثالث: مراحل تشكل العلاقات الدولية وأسباب ظهورها:

 الفقرة الأولى: مقدمة:

 الفقرة الثانية: مراحل تشكل العلاقات الدولية:
  أولا: المرحلة ما قبل العلمية:
  ثانيا: المرحلة العلمية:

 الفقرة الثالثة: أسباب ظهور علم العلاقات الدولية:
   أولا: الرغبة في تحقيق السلم والتفاهم الدولي:
   ثانيا: الإيمان بإمكانية الدراسة العلمية للعلاقات الدولية:
   ثالثا: تأثير الديمقراطية والفكر الإشتراكي:
   رابعا: تكاثف الإرتباطات والصلات بين الوحدات السياسية:
   خامسا: تزايد عدد الفاعلين في العلاقات الدولية:
   سادسا: الحاجة إلى إطار نظري ومنهجي:

تعليقات